الأخ الأكبر الظالم
الأخ ..
أفظع ما يظفربه حكم الطغيان هو الوصول إلى تغيير قناعات معارضيه لحساب السلطة الحاكمة من خلال تحويل معارضيها إلى مواطنين مواليين لها عن قناعة تامة بعد تعذيب المعارض جسديا و فكريا تعذيبا وحشيا لا يطاق .
ليس الموت إذن هو العقوبة القصوى في مثل هذه المآسي ذلك لأن الأدهى من الموت هو غسل الدماغ و تخريبه حتى يفقد الإنسان المعارض فطرة الحرية الفردية تحت وطأة الإذلال المبالغ فيه ، و الترويع حين يواجه أخيرا بصورة وجه الحاكم أو ” الأخ الأكبر ” كما يسمى في الرواية الشهيرة بهذا العنوان الطريف كرقم فقط ” 1984 ” للكاتب البريطاني المعروف ” جورج أورويل” أي صورة الحاكم الطاغية بعد خروجه من السجن حيث تعرض للتعذيب الوحشي فنراه يخاطب نفسه و هو يشاهد صورة الحاكم :” أي سوء فهم قاس هو فهمي الذي لا داعي له ؟! و أي نفي إرادي عنيد للنفس من ذلك الصدر المحب ؟!” هكذا تتحول قناعة السجين الذي كان يعتقد أن حاكم بلده طاغية كريه إلى قناعة أخرى جديدة ترى الحاكم الطاغية رجلا محبا لأبناء شعبه كما تقول الأسطرالأخيرة من تلك الرواية المذهلة : ( … و على الفور أحس ” ونستون” بدمعتين لهما رائحة الجن الذي كان يشربه ) بعد إخلاء سبيله و هو جالس على رصيف أحد المقاهي في مواجهة صورة كبرى للحاكم معلقة في الشارع أمامه فسالت دمعتان على جانبي أنفه وهو يحدث ذاته : ( لكن لا بأس .. لابأس .. لقد انتهى النضال ، و انتصر أخيرا على نفسه ، و بات يجب على الحاكم أو الأخ الأكبر !!)
هذا ما مارسه الحكام العرب الطغاة عبر تاريخنا الملطخ بدماء المعارضين لحكم الإستبداد، تاريخ سحيق حافل بأحداث التعذيب لتحويل الرعية إلى مواطنين مدجنين …
أنا شخصيا لم أحب الحكام المستبدين و إن خدعنا لأمد قصير بأحدهم ، إن عزائي الوحيد على مرور هذه القناعة العابرة أنني و أمثالي من الكتاب العرب لم يستطع ” الأخ الأكبر ” أن يقنعنا بلقبه هذا قناعة مديدة استهلكت حياتنا و لكن هيهات ، فالتاريخ الحديث ما يزال عامرا بحكم الإستبداد و المستبدين !….