السيرك الأوسط.. فرجة مسرحية
لا أسمي العمل في المسرح (عودة) إلبه.. بل هي خطوة إلى الأمام في الاتجاه الصحيح… إلى أرواح (عثمان جبريل وضياء الخليل) أهدي: السيرك الأوسط.
غزوان قهوجي
سنحت لي الفرصة لحضور مسرحية (السيرك الأوسط) في اليوم الذي سبق اليوم الأخير لعروضها في دمشق كموسم أول حيث ستنطلق الفرقة المسرحية لتقديم عدد من العروض في عدد من المحافظات السورية لتعود إلى دمشق وتقدم عروض الموسم الثاني بعد استراحة حسب ما صرح به مخرج العمل غزوان قهوجي.
تشكل هذه المسرحية نوعاً من الفرجة المسرحية مزودة بجرعة كوميدية جيدة ضمن مسار سياسي في المضمون. وحسب ما علمت من البطاقة الدعائية لها أنها في النص عن شاعرنا الكبير (محمد الماغوط). الطريف حول هذا النقطة أن البطاقة لم تشر إلى أي من أعمال محمد الماغوط قد استندت. بالنسبة لي شخصياً فقد كنت أعرف أن مسرحية (المهرج) للماغوط هي المتكأ الأساسي لهذا العمل المسرحي، إلا أنني نوهت إلى عدم ذكر ذلك في البطاقة الدعائية (البروشور) كملاحظة أعتقد أنه كان يجب ذكرها للمتفرج الذي قد لايعلم شيئاً عن (المهرج) أو أنه لم يطلع عليها.
وأود هنا أن أتوجه لمنتجي هذا العمل ولرعاته أن يتفادوا هذا الأمر في الموسم الثاني إن أمكن. مرد طلبي هذا يعود إلى أن المسرحية بمعظمها تقدم عملياً (المهرج)، ولقد دعتني مشاهدتي لهذا العمل للعودة إلى مهرج الماغوط التي قرأتها منذ سنوات بعيدة لإحساسي، بما علق في ذاكرتي منها، أن (السيرك الأوسط) لا تحاكي (المهرج) بقدر ما تقدمها.
وبعودتي لنص مسرحية الماغوط تأكدت من أن الأمر لا ينحصر في (عن ..محمد الماغوط). ففي (السيرك الأوسط) نجد جلّ مسرحية (المهرج) مع بعض التعديلات البسيطة التي لم تؤثر على روح النص وتفاصيله. لا أذكر هذا الأمر على سبيل الإشارة إلى ما ينتقص هكذا تجربة بل من باب الحرص على مسألة الأمانة الأدبية.
ما يهمني، بعد مشاهدة هذه المسرحية، هو الإشارة إلى الجوانب الإيجابية التي حملتها تجربة مجموعة من الممثلين على رأسهم الفنان المتميز بجهده وعطائه الفني، محمد خير الجراح. بدى لي واضحاً أن هذه المجموعة من الممثلين قد حملت على عاتقها مغامرة مسرحية ليست بالهينة في ظل ظروف بلدنا الذي يعاني منذ حوالي الثماني سنوات حرباً ضروساً تستهدف وجوده وكيانه. المغامرة هي في تقديم عمل مسرحي في وقت لم يعد النشاط المسرحي أو الثقافي يعني شيئاً بالنسبة للمواطن العادي المسحوق تحت رحى هذه الحرب. وهي مغامرة لتقديم مسرح جاد في مضمونه ضمن قطاع المسرح الخاص يمكنه جذب الجمهور لمشاهدته، وعندما نشير إلى القطاع الخاص تتبادر إلى الذهن مباشرة مسألة الربح والخسارة والميزان التجاري لأي عمل يقدم من هذا النوع. وهي مغامرة أيضاً في محاولتها تقديم عمل (شعبي) بمعنى القدرة على الوصول إلى أكبر عدد من المستويات الثقافية وشرائح المجتمع عبر نص يعزف على وجعنا مطعّم بجرعة كوميدية موظفة لصالح النص (رغم اتكاء هذه الكوميديا على مجموعة من الإشارات الحسية والجنسية الطريفة في معظمها ولكنها لا تصلح لهدف تقديم عمل شعبي مقبول من كافة شرائح المجتمع)، ومطعّم أيضاً بجرعة غنائية راقصة لابأس بها.
لقد اجتهد الممثلون كافة في هذا العمل وهو أمر لم أشهد به أنا وحدي بل شهد به عددد كبير ممن شاهدوا هذا العمل، إلا أنني أود أن أشير إلى الفنان المتميز محمد خير الجراح الذي تألق بشكل واضح يحسب له، وكذلك لما قدمه الفنان الشاب سمير الشماط الذي فاجاني بقدراته الكوميدية الهامة وهو الذي عرفته في أعمال تلفزيونية كانت أدواره فيها لا تمت للكوميديا بصلة لأجد أن موهبته كممثل قادرة على أداء كافة أصناف الأدوار.
رغم الطابع المؤلم والحزين الذي يشرّح أرواحنا عبر كوميديا سوداء (وهو ما يتميز به الماغوط)، والذي امتد حتى نهاية العمل، التي شكلت إضافة على نص الماغوط، إلا أنني وجدت في هذا العمل رسالة هامة في هذا الوقت بالذات وهي أننا ما زلنا أحياء وقادرين على الإبداع مما يمنح الروح فسحة هامة من الأمل في وقت أحوج ما نكون إليه.