القطيع و الراعي
حين يغدو القطيع لا عمل له وهو يرعى العشب سوى التغني بفضائل الراعي فماذا يكون هذا القطيع ؟ و حين يغدو الراعي لا عمل له سوى حض قطيعه على الإشادة بشخصه كقائد فماذا يكون الراعي ؟
الأصل في هذا الإشكال هو النظر إلى القطيع كمجموعة من الحيوانات الخاضعة للراعي في معظم تصرفاتها ، أما البشر كمجموعة فهم خاضعون للقانون المتفق عليه بين الحاكم والمواطنين التابعين له حسب هذا القانون، وفيما لا يتعارض مع هذا القانون يكون للبشر الحرية في كل ما يتصل بالقوانين المتفق عليها بين المواطنين والحاكم ضمن المصلحة المشتركة العامة للوطن الواحد …
هذا ما يقوله العلم والفلسفة والأديان ، ولكن لهذا القول مرجع فكري لا بد من التوقف عنده ، و خلاصته أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يفكر في خلقه وفي من خلقه كما يفكر في التفكير ذاته بسبب من هبة العقل الواعي والمفكر الذي يتمتع به من دون باقي المخلوقات… و ليس لهذا من معنى سوى أن شكل القطيع الذي يجوز على الحيوان والنبات والجماد لا يجوز على البشر إذ لكل إنسان فرادته وطاقته الخاصة على التفكير والإبداع ومن هنا لا يجوز ان يتحول البشر إلى قطيع وبالتالي لا يجوز أن يكون لهم راع واحد بل مجموعة من الرعاة ينتخبون من بين الأفراد الصالحين لهذه المهمة وبإرادة المجموعة التي تنتخبهم بملء إرادتها…
الإنسان إذن وحده هو المخلوق الحر، والكلام على قيود الحرية وحدودها ليس ممكناً إلا من خلال الإرادة البشرية ذاتها كمجموعة متعايشة هي التي تضع حدود حريتها لضمان إستمرار إجتماعها من خلال إعتبارها مخلوقات حرة أصلاً لا ينوب عنها أحد إلابرضاها و إختيارها، و هكذا يمكن القول إن القطيع كتلة مسحوقة محرومة لا تستحق الحياة إلا إذا كان لها الحق في الإعتراض على حرمانها حقوقها ، وبالتالي لا يكون الراعي البشري مستبداً ظالماً لا يستحق منصبه كراع حاكم إلا إذا وافق له الناس طواعية بذلك … ومن هنا يصيرمنظر الجموع البشرية المسحوقة وهي تسعى لتحية حكامها الطغاة قابلاً للتفسير والتعليل أحياناً بسبب الجهالة. أما مشهد المبدعين في الفن أو الفكر حين يقدمون فروض الطاعة و الولاء للحكام المستبدين شعراً أو مسرحاً أو غناءً أو تصويراً بالرسم أو تنظيراً إلى غيرها من تصرفات بدافع من الخوف أو النفاق فلا تفسير لهذا التصرف إلا باعتبار هؤلاء المبدعين بشراً فقدوا أو تخلوا عن كرامتهم الأخلاقية والإبداعية وصاروا قطيعاً من أفراد أو جماعات قد فقدت البشرية الحقيقية وصاروا أشبه بالحيوانات سعراء كأفراد أو جماعات من القطعان البشرية المشوهة.