افتتاحية الموقع

عالم النفاق وماأكثره …

ماهر عصام المملوك

كيف لنا ان ننتهي من هذه الظاهرة ظاهرة الرياء في زمن السوشيال ميديا وبالأخص في المجتمعات التقليدية والمتأخرة ، ولا سيما في الدول التي تعاني من مشكلات إدارية وهيكلية، والتي تتفاقم فيها ظاهرة النفاق السياسي والاجتماعي وعلى اشده ، حيث يسعى كثير من الأفراد إلى الظهور بمظهر المثالية والولاء أمام أصحاب مناصب الجهات العامة ، حتى لو كانوا من ذوي مناصب الدرجة الرابعة.

ويزداد الأمر سوءًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت منصة لاستعراض الولاءات والانتماءات، بدلاً من أن تكون أداة لنقل الحقيقة .

هذه الظاهرة بالامكان استعراضها من عدة زوايا، بدءًا من أسبابها النفسية والاجتماعية، مرورًا بتأثيراتها على المجتمع، وانتهاءً بطرق الحد منها.

فالنفاق الاجتماعي هو سلوك يتسم بعدم الاتساق بين الأقوال والأفعال، حيث يظهر الشخص الولاء أو الاحترام الزائف أمام السلطة أو المسؤولين، لكنه في الواقع يحمل آراء مغايرة تمامًا في الخفاء. وقد يرتبط هذا النفاق بالمصلحة الشخصية، أو بالسعي وراء المكاسب المادية أو الاجتماعية.

ويمكن تقسيم النفاق إلى عدة أنواع:

1. نفاق المصالح: عندما يظهر الشخص الاحترام والتقدير للمسؤول فقط لتحقيق منفعة شخصية، مثل الحصول على وظيفة أو ترقية.

2. نفاق الخوف: وهو الذي ينشأ بدافع الخوف من العقوبات أو فقدان الامتيازات.

3. نفاق الشهرة: عندما يسعى الشخص للظهور أمام الكاميرات بجانب المسؤول ليحقق شهرة أو مكسبًا اجتماعيًا.

4. النفاق الإلكتروني: حيث يتم التملق والتودد إلى المسؤولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكسب رضاهم أو جذب الانتباه.

أما أسباب النفاق الاجتماعي أمام المسؤولين فهو :

  1. ضعف الوعي المجتمعي

في المجتمعات التي تعاني من ضعف في الثقافة المدنية والوعي السياسي، يصبح النفاق وسيلة للتقرب من السلطة، حيث يعتقد البعض أن التظاهر بالولاء هو السبيل الوحيد للنجاح أو البقاء

  1. غياب الشفافية والمحاسبة

عندما يكون النظام الإداري غير شفاف ولا يخضع المسؤولون للمحاسبة، يصبح من السهل على بعض الأشخاص استغلال هذه الثغرات للنفاق وكسب مصالح شخصية.

  1. السعي وراء المصالح الشخصية

يهدف الكثيرون إلى تحقيق مكاسب شخصية من خلال التقرب من المسؤولين، سواء عبر النفاق المباشر أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تصوير المسؤول على أنه “الزعيم  الفذ” و”المنقذ” حتى لو كان دوره محدودًا.

  1. ثقافة التبعية والانقياد

في بعض المجتمعات، ينشأ الأفراد على ثقافة الانقياد والتبعية للمسؤولين، ما يجعل النفاق سلوكًا شائعًا، ليس فقط في المؤسسات الحكومية، ولكن حتى في الحياة اليومية.

  1. انتشار وسائل التواصل الاجتماعي

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للنفاق الاجتماعي، حيث يسعى البعض لنشر صورهم بجانب المسؤولين أو كتابة تعليقات متملقة في منشوراتهم لتحقيق مكاسب شخصية أو اجتماعية.

ولنبحث أمر المظاهر السلبية للنفاق أمام المسؤولين:

  1. التجمّع حول المسؤول حتى لو كان من الدرجة الرابعة

نلاحظ في كثير من المناسبات الرسمية أو الزيارات الحكومية، كيف يتجمّع الناس حول المسؤول، مهما كان منصبه متواضعًا، فقط للظهور في الصور أو للحصول على فرصة لكسب ودّه.

  1. الإطراء الزائد والمبالغ فيه

يتمثل النفاق الاجتماعي أحيانًا في عبارات الإطراء المبالغ فيها، مثل “الزعيم  العظيم” أو “الرجل المناسب في المكان المناسب”، حتى لو كان المسؤول معروفًا بعدم كفاءته.

  1. استغلال الكاميرات ووسائل التواصل الاجتماعي

بمجرد وصول أي مسؤول إلى منطقة معينة، نجد أن الكاميرات تبدأ في العمل، وأن السوشيال ميديا تمتلئ بالصور والمنشورات التي تشيد بـ”إنجازاته”، رغم أن وجوده قد يكون مجرد زيارة بروتوكولية بلا تأثير حقيقي.

  1. تغيّر المواقف بعد مغادرة المسؤول

من أكثر المظاهر وضوحًا للنفاق، هو تغيّر مواقف الأفراد بمجرد مغادرة المسؤول، حيث يعود الكثير منهم لانتقاد قراراته وسلوكياته، رغم أنهم كانوا قبل دقائق فقط يمدحونه أمام الكاميرات.

تأثيرات النفاق الاجتماعي على المجتمع

  1. إضعاف قيمة الصدق والنزاهة

عندما يصبح النفاق سلوكًا شائعًا، تفقد المجتمعات قيمة الصدق، ويصبح الوصول إلى المناصب والمكاسب قائمًا على المجاملة وليس على الكفاءة.

  1. ترسيخ الفساد الإداري

المسؤول الذي تحيط به طبقة من المنافقين لن يكون قادرًا على اتخاذ قرارات صحيحة، لأنه يعتمد على معلومات مغلوطة ومجاملات مزيفة بدلاً من النقد البناء.

  1. إضعاف الثقة بين المواطنين والمسؤولين

عندما يرى المواطن العادي أن المسؤولين محاطون بالمنافقين، يشعر بعدم الثقة في النظام الإداري، ويفقد الأمل في تحقيق العدالة والمساواة.

  1. تعزيز ثقافة الاستغلال والانتهازية

يصبح النفاق وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية، ما يعزز من ثقافة الانتهازية والوصولية، ويؤدي إلى تآكل قيم المجتمع الحقيقية.

كيف يمكن الحد من ظاهرة النفاق الاجتماعي؟

1. تعزيز ثقافة الشفافية والمحاسبة

يجب أن يكون هناك نظام واضح لمساءلة المسؤولين، حتى لا يصبح التملق والنفاق وسيلة لتحقيق المناصب أو النفوذ.

2. تشجيع النقد البناء

ينبغي تشجيع المجتمعات على ممارسة النقد البناء بدلاً من الإطراء الزائف، لأن المسؤولين بحاجة إلى معرفة الحقائق وليس المجاملات.

3. تعزيز الوعي المجتمعي

من خلال التعليم والإعلام، يمكن توعية الأفراد بأهمية الصدق والاستقلالية في التعامل مع المسؤولين.

4. الحد من الاستعراض الإعلامي

يجب أن تتوقف وسائل الإعلام عن الترويج للمسؤولين بطريقة استعراضية، والتركيز بدلاً من ذلك على نقل الحقائق والمعلومات بدقة.

5. تشجيع الكفاءة بدلاً من الولاء

يجب أن تكون معايير التوظيف والترقيات قائمة على الكفاءة وليس على القدرة على التملق، لضمان وجود إدارات ناجحة.

ويؤسفني القول والتصريح بأن النفاق السياسي والاجتماعي أمام المسؤولين ظاهرة خطيرة تؤثر على نزاهة المجتمعات وتضعف مناخ الثقة بين المواطنين والحكومة.

ومع ازدياد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح هذا النفاق أكثر وضوحًا واستفزازًا، حيث يتنافس البعض للظهور بمظهر الولاء المطلق حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة والمصلحة العامة.

وللقضاء على هذه الظاهرة، يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي متزايد بأهمية الصدق، ويجب أن تتحمل وسائل الإعلام مسؤوليتها في نقل الحقائق بدلاً من الترويج للمنافقين.

وفقط ومن خلال تعزيز قيم المصارحة  والمساءلة، يمكن بناء مجتمع قائم على النزاهة والكفاءة، وليس على التملق والنفاق.

واختم القول بحديث  علي بن طالب حين قال :

حين سكت اهل الحق عن الباطل توهم اهل الباطل انهم على حق ..!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى