تحليلات سياسيةسلايد

ماذا لو لم يصل محمد بن سلمان إلى العرش أو لم يبقَ فيه طويلاً؟

لو بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم، فإن حظوظ وصول محمد بن سلمان إلى العرش هي المُرجَّحة. عملَ محمد بن سلمان على مدى السنوات الأخيرة لتمهيد الطريق إلى العرش، ومن خلال وسائل لم تكن مألوفة من قبل في أسرة آل سعود. لكن إمكانيّة تعثّر مشروعه، أو إمكانيّة تقصير فترة حكمه ــ لو وصل إلى العرش، واردة بسبب الأساليب العنفيّة التي اتبعها وكلفة الوصول. لم يكن محمد بن سلمان هو أوّل حاكم سعودي يرتكب جرائم أو يقتل معارضين، حتماً لا. النظام السعودي متمرّس في فن تعذيب وقتل المعارضين، ومطاردتهم في بلدان أخرى. نعلم أن ياسر عرفات قبض ثمن خطف ناصر السعيد من بيروت، وهو شارك حتماً في عمليّات أخرى معهم. لكنّ محمد بن سلمان غيّر كثيراً في طبيعة الحكم في السعودية، اختلفتَ معه أم اتفقتَ.

العقبات أمام وصول محمد بن سلمان إلى العرش ليست بسيطة. تدرك أن الرجل في ورطة: هو يريد أن يصل إلى العرش بأسرع وقت لكنه يتردّد وينتظر وفاة والده. لكنه لو وصل إلى العرش قبل وفاة والده، لكان حقّق لنفسه مشروعيّة أكبر، خصوصاً أن صعوده السريع خرق كل التقاليد والأعراف في داخل العائلة. يقول بن هبِرد، مراسل «نيويورك تايمز» في بيروت في كتابه عن بن سلمان، إن الرجل يضع والدته تحت الإقامة الجبريّة ويمنع والده من رؤيتها. هذه سمات حاكم خائف، والحاكم الخائف يتعثر ويرتكب الكثير من الأخطاء (وهي باتت أكثر من أن تُحصى). من المنطقي الافتراض أن الملك السعودي هو تحت المراقبة المستمرّة من قبل وليّ العهد، بعد أن وضع أفراد حاشية جدداً حوله، وهم يدينون بالولاء المطلق له، لا لأبيه. ومحمد بن سلمان بات قليل التجوال، في المنطقة وفي العالم، لأسباب عديدة لكنّ الخوف من مفاجآت أو انقلابات هو منها. هو لا يستطيع أن يسافر إلى دول الغرب (وهي الوُجهة المُفضَّلة عند حكام الخليج) لأن قتل جمال خاشقجي وخطف الحريري وحرب اليمن الوحشيّة كل ذلك جعله حاكماً سيّئ السمعة في نظر الرأي العام الغربي. وهو كان أجَّل زيارتيْن إلى ماليزيا وأندونيسيا قبل سنتيْن لأسباب غير معلنة. هو يستطيع أن يزور بلداناً في الغرب لكن سبب تمنّعه يعود إلى علمه بعداء الرأي العام الغربي له. الإعلام الغربي أفردَ مساحات كبيرة لتغطية تفاصيل عملية قتل جمال خاشقجي (كان حريّاً بإعلام الغرب أن يغطّي أخباراً لمعارضين سعوديّين وسعوديّات ممن لم يفنوا سنوات ــ مثل خاشقجي ــ في خدمة النظام السعودي وأمرائه). يستطيع محمد بن سلمان أن يزور فرنسا (زارها في عام 2018) لكنه يعلم أن الزيارة ستحرّك أوساط اليسار والليبراليّين هناك بالرغم من احتضان قيادة الأحزاب الفرنسيّة له (كان تملّق الرئيس الاشتراكي الفرنسي، هولاند، له بنفس درجة تملّق وليد جنبلاط له، وإن كان الأخير يسعى جاهداً دوماً لتواصل أكبر مع محمد بن سلمان الذي يبدو أنه لم يُعجب إلا بسمير جعجع بين كل زعماء لبنان).

الرجل فعل الكثير كي يقترب من العرش. هو انقلب ضد محمد بن نايف وفرض على الأخير ضغوطاً وسرَّب معلومات مُحرجة وفضائحيّة عنه إلى صحف الغرب. ومحمد بن نايف هو وثيق الصلة بأجهزة استخبارات الغرب لأنه كان متعاوناً وقدّم خدمات جلّى في تعذيب المعتقلين ونيل معلومات كانت دول الغرب تريدها. ولم يكتفِ بن سلمان بذلك، بل هو شنَّ حملة ضد أفراد مرموقين في العائلة (بمعايير العائلة) لإبعادهم عن المنافسة. إن غياب المنافسة ضدّه كان نتيجة عملية قسريّة، لا تختلف في المبدأ عن إحكام بشير الجميّل للسيطرة الكليّة في داخل العائلة وفي داخل الحزب وفي قيادة القوّات اللبنانيّة. كانت هناك صراعات في داخل العائلة السعوديّة من قبل، مثل جناح فيصل والسديريّين ضد الملك سعود، لكن حدّة الصراع الحالي واستعمال القوّة المسلّحة لعزل أولاد العمّ والأعمام سجّلا سابقة خصوصاً في السطو على ثروات أقرباء له، بالإضافة إلى رجال أعمال نافذين في المملكة. كما أن إهمال التراتبيّة العمريّة والشخصيّة في داخل الأسرة لا يمكن أن يكون قد نال رضى الجميع.

العقبات أمام وصول محمد بن سلمان إلى العرش هي داخلية وخارجيّة. في الداخل، هناك أولاد العمّ الذين يتحيّنون الفرصة للانقضاض عليه، والانقضاض عليه سيكون عنيفاً ووحشيّاً لأن المعركة ضدّه لن تكون مثل انقلاب فيصل وفهد ضدّ الملك سعود. وهناك رجال الأعمال والمصالح المتضرّرة من حكمه، وهي تضمّ—وهذا الأخطر بالنسبة إليه—رجال الدين التقليديّين المتمرّسين في العقيدة الوهّابية والذين يرون في «إصلاحات» محمد بن سلمان حياداً عن الدين الحنيف (عند دعاة الوهابيّة، ليس هناك من عقيدة أو مذاهب إسلاميّة، بل هناك الدين الحقيقي وهو، طبعاً، الوهّابيّة لا غيرها). كل هذا اللوبي الداخلي يريد الانقضاض على محمد بن سلمان متى أتيحت له الفرصة، ولأسباب متنوّعة. رجال الأعمال وأولاد العموم قد يفضّلون الابتعاد عن التزمّت الاجتماعي الذي كان سائداً، لكن رجال الدين يفضّلون العودة إلى ما كان يُدرَّس على أنه الإسلام الحقيقي بلا بدع. لكن هل تتفق كل هذه الأجنحة المستاءة للإطاحة بالحاكم؟

أما العقبات الخارجيّة فمحمد بن سلمان يسعى إلى تلافيها. هو، مثل محمد بن زايد ومحمد بن راشد، يستعين بشركات علاقات عامّة غربيّة تقدّم له النصح لتغيير صورته في الغرب. وكل ما يُسمّى إصلاحات في المملكة، ليس إلا بنات أفكار شركات غربيّة تهدف إلى تغيير صورة الحاكم المُستبدّ. هم الذين نصحوا بالسماح لقيادة المرأة للسيارة والحدّ من سلطة الشرطة الدينيّة وفتح أبواب الترفيه المبتذل على مصراعيه. والـ»فايننشال تايمز» أشارت إلى امتعاض محمد بن سلمان الشديد من بايدن لأن الأخير يرفض أن يتحدّث معه مباشرة (أرسل بايدن إليه مستشاره لشؤون الأمن القومي، جيك ساليفان، لكن الأخير رفض التقاط صورة تذكاريّة للقاء). وعندما أجرى بايدن اتصاله الأوّل مع الملك سلمان فإنه أصرّ على الديوان الملكي ألّا يكون ابنه حاضراً (طبعاً، من المؤكد أن محمد بن سلمان كان حاضراً). وهناك حديث في الصحافة الغربيّة أن استمرار أسعار النفط ليس إلا نتيجة سلوك أرعن من قبل محمد بن سلمان لمعاقبة بايدن على احتقاره له. وارتفاع أسعار النفط مسؤول عن حالة التضخّم التي أصابت الاقتصاد الأميركي، وأثّرت سلباً على شعبية جو بايدن. صحيح أن بايدن نكث وعده بمعاقبة محمد بن سلمان، لا بل هو عزّز العلاقة بين الإدارة الأميركيّة والنظام السعودي، وها هو يعلن عن صفقة سلاح جديدة. وصفقات السلاح هي من أسهل الطرق لوصول مُستبدّي النفط والغاز إلى قلب أي إدارة أميركيّة (علمنا أخيراً من الصحف هنا أن محمد بن سلمان كان يفاوض إدارة ترامب على شروط إعلانه للعلاقة مع إسرائيل. كان محتماً أن يعلن النظام السعودي ذلك لو أُعيدَ انتخاب ترامب لولاية ثانية). وقد يسعى محمد بن سلمان إلى إعلان العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل للتقرّب من بايدن (أميركا تغفر أي جريمة حرب، أي اغتيال وأي استبداد عربي مهما كان فظيعاً مقابل سلام مع إسرائيل).

لكن ماذا لو نجح انقلاب عائلي ضد محمد بن سلمان؟ ماذا سيحلّ بالمنطقة عندها؟ تستطيع أن تتخيّل حجم النفاق لو جرى ذلك. أتوقّع أن يسارع ممتهنون وممتهنات (ضروري التأنيث لأن إعلاميات وفنانات لبنان بتن بنفس براعة الرجال في التملّق إلى مستبدّي التطبيع في الخليج) إلى تبديل المواقف بسرعة هائلة. أستطيع أن أتوقّع أن يعقد سعد الحريري مؤتمراً صحافياً غداة نجاح الانقلاب ليروي فيه بالتفاصيل المملّة، وعيناه مغرورقتان بالدموع، ظروف اعتقاله (وربطه وركله وصفعه وإهانته) في الرياض. سيعلن الحريري باكياً أن بيان الاستقالة أُعدَّ له من دون موافقته، وأنه قرأه من دون مراجعته. قد يعترف الحريري أن بولا يعقوبيان كانت متعاونة مع خاطفيه ومحتجزيه. سيحلّ مع محمد بن سلمان ما حلَّ بستالين بعد موته، عندما تسابق القادة الشيوعيّون إلى ذمّ النظام السابق. أتصوَّر أن يطلع رضوان السيّد، قبل غيره، في إعلام النظام الجديد كي يُفتي بصلاح إسلام النظام الجديد وأن النظام السابق (الذي أسبغ عليه الجنسيّة السعوديّة نطراً إلى خدماته الجلّى في مجال البروباغندا لمصلحة النظام) حادَ عن الإسلام القويم، وأنه ألحق ضرراً كبيراً بالأمة الإسلاميّة. أتخيّل رضوان السيّد، السريع التكيّف، وهو يظهر على شاشة «العربيّة» كي يكيل المديح إلى الحاكم الجديد ويذمّ بالحاكم السابق. رضوان السيّد سيُكلَّف بإعداد كتاب عن فظائع محمد بن سلمان وسيكتب فؤاد السنيورة مقدّمة خاصّة للكتاب. لو عجز محمد بن سلمان عن الوصول إلى العرش، أو لو أطيحَ به سريعاً، فإن أقرب الناس إليه وعتاة المُروّجين لحكمه اليوم سيكونون أوّل من يدينه. عندها، وعندها فقط، سيروي لنا الوليد بن طلال عن ظروف احتجازه وإذلاله (لا يزال الإذلال الذي تعرّض له الوليد بادياً على محيّاه، هذا الذي كان معروفاً بعنجهيّته وتكبّره وصلفه، والذي كان يستأجر أقزاماً كي يلهو بمشاهد تحرّكهم أمامه على طريقة حكّام القرون الوسطى في أوروبا). حتى سمير جعجع، الأداة المنفّذة والمفضّلة لمحمد بن سلمان في لبنان، سيصدر بيان إدانة ضدّه ويعلن ولاءه للحاكم الجديد.

عندها فقط، ستُخبرنا بولا يعقوبيان أنها لم تصارح الشعب اللبناني ــ كي نستعمل كلمة مشذّبة هنا ــ في كلامها عن ظروف اعتقال سعد الحريري. لكن بولا طارت على متن طائرة خاصّة أرسلها السبهان لها في اتفاق عن تغطية لمؤامرة اعتقال الحريري. ستجد صعوبة في إقناعنا بأنها صعدت إلى الطائرة في بيروت مكرهةً. عندها، سنسمع من كل الفنانين والإعلاميّين اللبنانيّين في بيروت-دبي وسيندّد كل هؤلاء بحكم محمد بن سلمان وسيصفونه بأبشع النعوت، وسيزعم كل هؤلاء أنهم ما سجدوا وأثنوا على المستبدّ في الرياض إلا بالإكراه وأنهم حزنوا كثير الحزن على ضحايا النظام السعودي لكن لم يقووا على النطق في حينه. كل هؤلاء سينكرون إعجابهم السابق والمفروض بالمستبدّ السابق وسيعلنون ولاءهم للمُستبدّ الجديد: مات المُستبدّ، عاش المستبدّ خالداً مفدّىً. كل هؤلاء الذين أفرطوا على المواقع في التنافس لنيل رضى تركي الشيخ سيكتشفون بعد رحيله فظاظته ورعونته وخشونته.

وانعكاسات رحيل محمد بن سلمان ستصيب كل العالم العربي. سينسحب الحاكم الجديد من اليمن ويعلن مسؤوليّة سلفه عن الحرب المدمّرة وسيعلن أن سوء علاقة الحكم مع لبنان كان من صنيعة الراحل. لن تصبح المملكة السعوديّة متنوِّرة في الحكم الجديد، إذا افترضنا أن الحكم سيبقى في داخل العائلة الواحدة. وستستمرّ سياسات شراء الأسلحة الأميركيّة وإرضاء الراعي الكبير. لكن مسار التطبيع الذي بدأه ودشّنه محمد بن سلمان (لم تنشر الصحافة العربيّة ما تسرّب عن اجتماع نتنياهو برفقة بومبيو، في آخر عهد ترامب، مع محمد بن سلمان)، يمكن أن يتوقّف. من عادة الحاكم الجديد، خصوصاً في ظلّ انقلاب عسكري أو عائلي أن يتنصّل من أبرز ما تَميَّز به عهد سلفه. سيكون صعباً على الحاكم الجديد العودة إلى عهد التزمّت الاجتماعي لأن الجيل الشبابي الجديد تعوّد على حالة الاختلاط والترفيه—لكن على طريقة الإمارات، أي انفتاح اجتماعي مقيّد لكن في ظل استبداد سياسي وتقييد فظيع للحريّات. ولو أراد الحاكم العودة إلى أصول الوهابيّة، فإن هذا يُرضي قطاعاً (العلماء التقليديّون) وسيُغضب قطاع الشباب الذي اعتمد عليه محمد بن سليمان لترسيخ حكمه ضد عائلته وضد رجال الدين. سيرتدّ التغيير في الحكم على وضع الإمارات لأن الحاكميْن ربطا حكمهما: محمد بن زايد روَّج (من خلال سفيره النافذ في واشنطن) للحاكم السعودي الجديد، لكن بثمن. تعزّز دور الإمارات في المنطقة العربيّة وهذا مُخالف لأصول العلاقة بين الطرفيْن. لم تكن دولة الإمارات قبل حكم محمد بن سلمان لتجرؤ على التفرّد (مع إسرائيل أو من دونها) في مغامرات إقليميّة، مثل ليبيا واليمن وأفغانستان). أي أن تبنّي محمد بن زايد لحكم جاره أتى على حساب الوزن السعودي التقليدي (الراجح والنافذ) في العلاقة بين الجاريْن. والخلافات بين الطرفيْن لم تتبخّر وهي بادية في عدة ملفّات. لكن رحيل محمد بن سلمان سيُضعف من وزن حليفه في الإمارات وقد يؤدّي إلى زعزعة في داخل النظام، وقد يكون ذلك في مصلحة آل مكتوم الذين يفترض أن يتسلّموا رئاسة الدولة من آل نهيان. لا يمكن الجزم باستحالة وصول الرجل إلى العرش، أو باستحالة استمراره في الحكم. الصحافة هنا—أو تلك المرتبطة بمصالح مع النظام السعودي—تتحدّث عن ضرورة قبول محمد بن سلمان وإنعاشه والترحيب به في الغرب لأن تعميره في العرش بات أمراً واقعاً وأن التواصل معه يفيد في ترويضه والتقليل من جموحه (يجهل أو يتجاهل ــ أو يتصنّع الجهل ــ بعضهم في بلادنا ممن يقلّلون من حجم تأثير المال السعودي والإماراتي على إعلام الغرب المرتبط بالتمويل الخارجي. «سي إن إن» العربيّة ليست إلا بوقاً إماراتياً، و«بلومبرغ» و«فايس» هي أذرع للبروباغندا السعوديّة والأخيرة ساعدت النظام في تحسين صورته في الغرب). ويستطيع محمد بن سلمان أن يضمن وصوله واستمراره في العرش مقابل شروط تفرضها عليه واشنطن، ولا تنحصر بالتطبيع. قد يكون الثمن باهظاً أكثر. ولو نفّذ محمد بن سلمان كل تلك الشروط، فإنه يمكن أن يضعف حكمه لأن الإفراج عن محمد بن نايف سيكون أوّل شروط الإدارة الأميركيّة (وقد طالبت واشنطن في إدارة بايدن بالإفراج عنه وذلك تعبيراً عن الجميل الذي تحمله واشنطن له لما أدّاه من خدمات سابقة). وحكم محمد بن سلمان بات مرتبطاً بحالة من الترهيب التي يفرضها على أفراد الأسرة الحاكمة وعلى نخبة الاقتصاد والأعمال وعلى المجتمع بأسره. ولو تراخى حكم محمد بن سلمان (وهذه صعبة عليه لأن طبيعة حكمه باتت متلازمة بفرض حالة من الترهيب والإرهاب والقمع والقسر لم تشهده المملكة من قبل ــ وهذا يسري أيضاً على النظام الإماراتي الذي ما كان ممكناً أن يفرض فيه هذه الحرب على الإخوان والحركات الإسلاميّة والتطبيع الوقح من دون فرض حالة قمع قاسية) لضعفَ وضعه في قمّة السلطة. ستتغيّر المنطقة العربيّة برمّتها لو لم يتسنّ لمحمد بن سلمان الحكم في المملكة. الكثير يعوِّل عليه (من شركات الأسلحة إلى زعامات نشرها في لبنان وفي غيره) والكثير يتمنّى له العزل، خصوصاً خصومه في داخل الأسرة الحاكمة. كان هناك نوع من قيادة جماعية تصالحيّة توافقيّة على الأقل بين نخبة الأسرة. محمد بن سلمان دشّن لحكم الفرد الواحد في داخل المملكة وهذا يزيد من الحاجة إلى الاستبداد كما أنه يضيّق قاعدة الحكم. وتضييق قاعدة الحكم يزيد من الحاجة إلى القمع والمعاقبة والعنف. لكن قدرة محمد بن سلمان على استعمال العنف المفرط ــ حسب لغة الدبلوماسية الأميركية ــ تقلّصت بعد افتضاح أمره في قتل خاشقجي واختطاف الحريري وحرب اليمن الوحشيّة التي أمرته إدارة بايدن بوقفها وإن هي تتبع معه طول الأناة والصبر الشديد، طمعاً بخفض أسعار النفط وشراء المزيد من الأسلحة الأميركيّة.

من منا لا يستطيع أن يتخيّل مواقع التواصل الاجتماعي لو أن محمد بن سلمان لا يصل إلى العرش. موقع «درج» قبل أيام سخر من الغناء للحاكم في سوريا وذكّر بصدّام. قال إن الغناء للحاكم ليس إلا سمة من النظام البعثي. لكن بعد أن وضع البوست على إنستاغرام أضاف على تويتر أن الغناء للحاكم هو سمة لـ «الخليج» أيضاً ــ استدرك في تذكّر ذلك، نسيها. في حالة الخليج ليس هناك من تسمية للحاكم عندهم. عند مواقع التمويل الغربي لا يجوز تسمية المُستبدّ خارج النظاميْن البعثيّيْن لأن أنظمة الخليج يجب أن تبقى خارج التقييم والتصنيف لما تؤدّيه من خدمات لدول الغرب. منظّمة سمير قصير لحريّة الصحافة تجاهلت بالكامل الحرب السعوديّة ــ الإماراتية على حريّة التعبير في لبنان، لكن للأمانة هي قرّرت منذ أول تمويل أن تبقى منطقة الخليج خارج نطاق عملها وتقييمها ورصدها كي تتفرّغ لرصد خرق حقوق الإنسان وحريّة التعبير في دولة عربيّة واحدة فقط. لو أن محمد بن سلمان خرج من الحكم لضجّت كل هذه المواقع بالتأييد والإدانة ضدّه وضد طبيعة نظام حكمه. عندها، لا يعود صف الإعلاميّين والفنانين اللبنانيّين في دبي-بيروت بحالة للتذلّل والتملّق إلى تركي الشيخ. يعندها سيتملّقون إلى غيره في الحكم الجديد. لو أن محمد بن سلمان خرج من الحكم سيكتب غسان شربل مرثيّة إنشائيّة جميلة عن جمال خاشقجي، زميله وصديقه (وكان شربل قد نسب أخباراً في حينه عن قتل محمد بن سلمان لصديقه وزميله إلى مؤامرة خارجيّة تهدف إلى النيل من سمعة المملكة العطرة التي لم تشُبها شائبة قبل خبر قتل وتقطيع جثّة خاشقجي). محمد بن سلمان يقترب من العرش، والليلة التي تتقرّر فيها الخلافة يوم موت الملك السعودي ستتطلّب تدخّلاً أميركيّاً مباشراً. وأميركا تفضّل حاكماً غير محمد بن سلمان لكن هي لا تريد أن يخرج عن سيطرتها لو تسنّى له الحكم. ستبارك له لو وصل، وستعينه لو تثبَّت في العرش. والولاء من الإعلاميّين والمثقّفين والفنانين العرب للحاكم مطلق ودائم ــ إلى أن يأتي غيره مكانه ــ عندها، إعلانات الطاعة والتوبة ستتوالى.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى