يتطلع السوريون باستمرار للارتقاء بحياتهم تدفعهم لذلك طاقة حضارية شكلت شخصيتهم الوطنية عبر العصور. هذه الشخصية التي استطاع السوري الحفاظ على مكوناتها الحضارية والروحية، وهي ما ساعده في الصبر على عهود الاستعباد والاستبداد والقهر. وهي ما يقويه على إطلاق فعاليته الحضرية الوطنية من جديد. هذه الشخصية الوطنية الحضارية روحها فطرة إنسانية واسعة وعميقة، وقلبها إسلام وعروبة. إسلام روحيته متآخية مع محبة المسيحية السورية وتساميها.. وعروبة نبضها من تفاعل واحترام مكوناتها المتعددة والمتنوعة. هذه الشخصية الحضارية الوطنية الحية باجتماع يوحدها في سياق إبداع حضاري وطني. لن تكون الدولة القادمة المرجوة والمنتظرة مقبولة إلا إذا جاءت تعبيرا عن هذه الشخصية الحضارية الحية والغنية بتنوعها والمتفاعلة بمكوناتها، والموحدة في فعلها لإبداع الخير لسوريا وللعرب وللعالم.
ارتاح السوريون لإنجاز التغيير دون دماء، وأطمئن الشعب لممارسة ووعود قوة التغيير (إدارة العمليات العسكرية)، وانتبه الجميع إلى لهجة التسامح والتطلع في خطاب المجلس الوطني الانتقالي المعبر عنه في البيان الأول حيث أكد القائمون على هذا المجلس (التزامهم ببناء دولة حرة عادلة ديمقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين دون تميز، وتعهد أمام الله والشعب على الحفاظ على سيادة ووحدة سوريا، وعلى بناء الدولة ومؤسساتها على أساس من الحرية والعدالة. وأكد أنهم سيسعون لتحقيق المصالحة الشاملة، وإعادة اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم بأمان وكرامة، والتزموا محاسبة من أجرم بحق الشعب السوري وفق القانون والعدالة. والأهم في كل ذلك كان دعوة المجلس الانتقالي لأبناء الشعب السوري إلى الوحدة والتكاتف في هذه المرحلة التاريخية. وأكد المجلس أن سوريا الجديدة لن تكون حكراً على أحد بل هي وطن الجميع. وهكذا فإن الكثير مما تقدم ما هو إلا جزء من مكونات الشخصية الوطنية الحضارية السورية الراسخة والحياة التي يتطلع السوريون لأن تكون أساس وروح الدولة القادمة والمطلوبة.
استبشر السوريون وارتاحوا إلى أن سقوط نظام الأسد لم يحدث الارتطام المزلزل أو الخبطة المؤذية المتوقعة. ولم يثر أي فتنة أو فوضى. ورغم الارتياح الشعبي هذا فإن هناك (قلق) واسع من المستقبل حتى ينجز الشعب أهدافه، وحتى تتحقق للسوريين وعوده. ويأمل الشعب السوري أن تكتمل خطوات الانتقال للوصول إلى دولة ومؤسسات حرة عادلة ديمقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين دون تميز. ويكفي أن نبني دولتنا برؤية تقوم على أساس روحية ومعاني الشخصية الوطنية الحضارية الحية للسوريين لنحقق الارتقاء المأمول. ورغم الارتياح الشعبي فإن هناك قلق من المستقبل حتى يتحقق الموعود. والقلق في سوريا مثل الأمل فعل سياسي محرك ومنجز ومحقق. ودائما سوريا شمس تشرق حضارتها بطاقة متوالدة وبتجدد مستمر.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة