كتاب الموقعنوافذ

أم الدنيا

أم الدنيا

ـ عبقرية المكان، أحياناً، منفى ـ

أنا أعتقد أن الفوضى هي سمة العصر في بلداننا.
وهذه الكلمة : “سمة العصر” كنت أجدها ، في السبعينات، في أي بيان شيوعي أو يساري لتغيير العالم وعلى رأس الصفحة. ولكن ما هي تلك الأيقونة؟
” سمة العصر”: هي الانتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية دفعة واحدة، وما علينا، نحن أُجراء لحظة التغيير، المكافحين  من أجل اللقمة… سوى نفض الكسل، والبدء بمقارعة السلطات، على النحو التالي:
بضعة مناضلين من هنا وهناك، بضعة منشورات، من هنا وهناك، وبضعة أوكار لتخفي من ستطلبه السلطات، من هنا وهناك… في مقابل أكثر من خمسين فرع أمن في البلد، وجيوش بمئات الآلاف!
سمة العصر… تغيرت ، كما نعلم، ودخلت الرأسمالية في مرحلة التغّول، فيما الاشتراكية مات ” قلبها النابض” دون مشيعين سوى حفنة من كهول الماركسية!
سمة العصر العربي … الفوضى.
ومن بين الأكثرية سميّة في هذه الفوضى هو المفاهيم العمومية:
مثلاً…
مصر أم الدنيا. واللي صنع مصر ، في الأصل، كان حلواني (لفرط حلاوتها) .
لا حرب دون مصر. لا سلام دون مصر ( أحياناً… دون سورية).

والمقياس ، أنا برأيي ، كان يتجه إلى الكتلة البشرية، لا إلى حيويتها فقط ، وإلى الجغرافيا لا إلى أهميتها واستقلالها فقط . وإلى الزعامات التي مرت … لا إلى إنجازاتها فقط  .
حسناً… كي تكون أم الدنيا (سياسياً) … لازم تكون أم العرب والعروبة… وهذا ما لم تعده مصر منذ نصف قرن.
ولتكون مصر أم الدنيا (جغرافيا) لازم تكون قادرة على صيانة النيل من صانع القسم العظم من أفريقيا… وهذا ما يمكن ألا يكون بعد مشاكل السدود.
ولتكون مصر أم الدنيا… يجب أن تعود إلى تأسيس حقيقة وزنها البشري والجغرافي والسياسي.
وقد جاءت الفرصة قي 25 حزيران ، إلا أنها بعد سنة واحدة، انضمت قافلة العمامات أصحاب مشروع أسلمة كل شيء، من خلال ، ليس الإسلام، بل من خلال عشيرة المسلمين ـ الأخوان. وليس من خلال دوائرها الثلاث : ( العربية. الإسلامية. الأفريقية) وفي ظلال تصنيع غريب لفكرة العدو والصديق ( كما حدث بقطع العلاقات مع سورية، مع تعزيز العلاقات مع إسرائيل . وكما يحدث في أزمة المياه في أثيوبيا).
الفوضى الآن في أسوأ تجلياتها تنتج التباساً غريباً في مسألة الشرعيات.
محمد مرسي شرعية انتخابية. التمرد عليه شرعية ثورية. كالثورة على مبارك. مبارك شرعية من نوع ما . وعندما تشتبك الشرعيات مع بعضها على هذا النحو… فالانقسام العمودي والأفقي الشامل هو النتيجة .
فإذا استمر الانقسام ، فإنه سيؤسس لنمو ثقافة الإلغاء والكراهيات التي هي طعام الخنادق ، وعندئذٍ سيطول الزمن الذي كانت فيه ذات فكرة : أم الدنيا !
وثمة أخيراً التهديد بشرعية إسلامية… دولة إسلامية!
كان من المفترض توفير المال الذي خصص للجيوش ، أن يستثمر في التنمية ، بعد إغلاق ميادين القتال ، ومشروعات تحرير فلسطين أو سيناء (؟) ولكن مصر صارت أفقر بعد السلام . ثمة إذن خلل رهيب في مكان ما في طبائع الأشياء ، مرسي ليس إنتاجاً طبيعياً كخليفة لمبارك ، وعبر ثورة شعب . وفي أم الدنيا!
والثورة ليست إنتاجاً طبيعياً لحاجة المصريين إلى التغيير فقط… وعبر تذمر دائم من الفساد والاستبداد…الثورة فكرة نسجها تراكم وعي، وخبرات، وروح مصرية شابة.
والثورة على الثورة… ليس إنتاجاً لخيبة الأمل ، بعد تجربة عام، بل رفض لأسلمة أم الدنيا… ذلك النوع من الأسلمة الأدنى من الدين الأول , والأقل من التجربة التركية، والأخطر على مستقبل التطور المدني في مصر !
لقد فشلت الكاريزمات، وعصر العمالقة، الزعامة التي تجعل ميادين التحرير حلماً، ولكن، في مصر، من الكفاءات التي ما يكفي لبناء  “زعامات القطّاع” الإنتاجي . زعامات المؤسسة . زعامات المجتمع المدني، والثقافة… وأظن هذا ما حلمت به الثورة، التي تعرف أن لا خديوي في مصر ، ولا عبد الناصر ، أو السادات… بعد اليوم !
ولكن الفوضى داء الفشل .
والفشل على الأرض يجعل الناس تطلب السماء.
ومن يطلب السماء وحدها يدخل في فضاء الشعوذة وتديين السياسة… شعوذة، على وجه اليقين !
مصر أم الدنيا… في وجداننا…
ولكنها ليست كذلك في حياتنا !
أحد الأصدقاء حوّر بيت ” أبو القاسم الشابي” على النحو التالي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة…..
………….
فلا بد…
أن…
يأتي
…….
……
……
الإسلاميون إلى السلطة !

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى