كتاب الموقعنوافذ

رحيل مبكر أو متأخر

رحيل مبكر أو متأخر  … فجأة ظهرت أنواع من التدريب على المناورة السياسية، وفي صفوف المعارضة السورية. فمنذ مناورة معاذ الخطيب، بدا واضحاً أن الرجل طرح في الأفق الأسود المسدود، بريقاً لحل، بكسر المحرم السابق: “لا مفاوضة مع النظام إلا على ترتيب الشنطة. وتسليم الشقة السورية، بحجم بلد كان يسكنها نظام، وسوف يحل محله ساكنون جدد !
التقط المبادرة كل من له علاقة بالأزمة السورية. وكانوا فريقين:
الأول : يريد وقف حمام الدم، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البشر والحجر، عبر تسوية جوهرها انتقال تدريجي للسلطة، دون تكسير عظام والحيلولة دون عواقب الانتقام. وهذا الفريق مساند للسلطة في سورية اقليمياً ودولياً. وأظنه يدرك، بالحسابات، ما يغيب عن البعض في الاحتمالات.
والثاني: يريد ايقاف التدحرج العشوائي للأزمة. بسبب المنسوب العالي للعنف، الذي يستدرج قوى غير مرغوب فيها، تتقوّى باستعصاء الأزمة، وبالغرائز الانتقامية، ذات الطبيعة الايديولوجية. كما أن التدرج العشوائي، الذي يخلق عادة مفاعيل جديدة تنتمي إلى اليأس… قد يتسبب في حرب اقليمية، يخسر فيها كثيرون، ويدخل المنطقة في فوضى. يضاف إلى ذلك إعادة تقييم لميزان القوى (العسكري خصوصاً) على الأرض. حيث لم تستطع المعارضة المسلحة أن تحسم (حتى الآن) بالمعنى الميداني، وفي ظل صعوبات تسليح، وسيطرة، وإقامة قواعد ثابتة على الأرض .
هذا الفريق… كان يصر على تقييم، لم يعد صالحاً للاستعمال، في ثلاث نقاط:
1ـ سقوط سريع للنظام بفعل شمولية الحراك الشعبي، والتسليح السريع، والدعم الخارجي ( مالاً وسلاحاً) ، الأمر الذي لا يستطيع معه النظام الاستمرار في معركة متآكلة النتائج.
2 ـ إقامة سريعة لمنطقة عازلة. تكون قاعدة مفتوحة على خارج معاد للسلطة ـ تركيا تحديداً. ولبنان جزئياً.
3 ـ تدخل دولي، عسكري… بتصنيع الذرائع، والمراهنة على انهيار متدرج للموقف الروسي والصيني.
هذه المبادرة، في الحقيقة، وكما تبين هي… مناورة، بدليل أن شخصاً واحداً  تجرأ على طرحها وسط مجموعة متشددة هي كامل أعضاء الائتلاف… تقريباً، وكان يبدو واثقاً من الاختبار، إذ سرعان ما رفضها الائتلاف، في شكل بدا متشدداً، على ضوء ما بدا لهم أنه انتصارات ميدانية عسكرياً. رافق ذلك ارتفاع ملحوظ بعدد الضحايا، ومنسوب القتل والتدمير… من الطرفين. وللأسف يأخذ الطرفان بمقولة كلاسيكية بائدة، وهي مقولة  “شد الوتر” قبل التفاوض. ناسين “أن الوتر إن أرخيته لا يعزف وإن شددته أكثر ينقطع!”
لكن السر المكشوف في هذه المناورات، يشير إلى نقص فادح في مهنيتها، والمهنية في المناورة السياسية تفضح المدى المجدي لجدواها، فتصبح لعبة وقت ضائع، وأقصد، تحديداً، إنتاج مفارقة أخلاقية هي:
الموالاة ـ المغالاة ذهبت بعيداً في ابتذال ما أرادت، على الأقل لجهة الشعارات. ليس بدون معنى أن تطرح شعاراً خفياً في العمق، واضحاً على السطح هو: ” الأسد… أو نحرق البلد” (بمعنى البقاء بأي ثمن).
وليس بدون معنى أيضاً أن تصل المعارضة إلى نفس الشعار، من طريق معاكس : “الأسد…أو نحرق البلد” (بمعنى الرحيل بأي ثمن).
إن الوصول إلى نقطة اللاعودة هو تدمير البلد، مهما كانت النوايا. فالنظام يعرف معنى البدء بنقطة “الرحيل” لأنه يعرف تماماً أن نقطة ” الوصول” هي رحيله. ورحيله فوراً يعني ” وصولهم”  فوراً ! فلماذا تصعيب الصعب؟ فالمناورة المهنية الناجحة، أو التي لها حظ من النجاح، هي العملية الذكية في المفاوضات التي تؤدي  إلى الرحيل لاحقاً، وليس الرحيل بالمعنى تكسير الرؤوس، وتحطيم أضلاع الهيكل الهندسي للدولة… وإنما إعادة إنتاج نظام لا مستقبل له إن بقي كما هو… للحصول على ما كان جوهرياً ويبقى جوهرياً أبداً،  قبل وبعد الأزمة… الوحدة الوطنية!
وإذا كان اللاعبون الكبار يدركون الطبيعة الخاصة لمكونات الخريطة الاسـتراتيجية للمنطقة والوضع السوري … فالأجدر باللاعبيـن الأصغر (داخل \خارج) أن يكونوا ” شركاء” تفهم لهذا الوضع، لا أدوات “خضوع” لفوات الأوان لهذا الوضع!
وإذا كان اللاعبـون الكبار والصغار بالمعنى الاقليمي والدولي، لـم يتفاهموا، بعد، على صفات الوضع السوري، وتعقيدات الوضع السوري، فإن الوصف الحقيقي للأزمة هي كلمة ” بازار” وفي البازار متاح كل أنواع الغش الحلال…” فالتجارة شطارة” .
أين ذكاء السوري القديم، صاحب الحضارة على ضفاف الأنهار؟
أين عقل السوري القديم، صاحب الإنجاز في ترميم ما دمره تعاقب الغزاة؟
أين عاطفة السوري القديم، التي هندست، عبر العصور، طرائق فذة للعيش المشترك من مهاجرين ومقيمين؟
وأخيراً: أين هو السوري الحديث، الذي بيده الآن، مفتاح الحل، رغم شروط الخندقين، المتراسين: معارضة وموالاة!م

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى