كتاب الموقعنوافذ

وزير الحرام

•يعتقدون بوجود إله … لكنهم يبحثون عنه كمطلوب لليقين

وزير الحرام
فاروق حسني ، وزير الثقافة المصري ، قال مرة :
عندما عينت وزيراً وجدت ” الحرام ” يطاردني :
الرقص حرام . التمثيل حرام . المَغْنى حرام . الموسيقى حرام . الرسم حرام .
كل ما أنا مسؤول عنه حرام … لدرجة أنني أطلقت على نفسي ، في ذلك الوقت … ” وزير الحرام ” .
إن صنعة أو وظيفة ” المغني ” لا تليق بالمثقف بالتأكيد ، ولا صنعة الرقيب ، قبل الطباعة وبعد الطباعة ( التداول ) … تليق بالمثقف ، وأيضاً الخبث التجاري الذي يراوغ كي تمشي البضاعة جمركياً ، أو في السوق… لا يليق بالمثقف .ولكن المثقف ، مع ذلك ، يخلط في ضميره ، بعضاً من هؤلاء جميعاً !
” المحرَّم ” غير ” الحرام ”
” المحرَّم ” عند الكاتب ” بو علي ياسين” ، في كتابه الشهير الثالوث المحرم ( الدين ، الجنس ، الصراع الطبقي ) …واضح ، وهو أراد أن يربط التصالح والمصالح ببعضها كي يرينا في نهاية المعرفة … ولادة الاستبداد !
” المحرَّم ” في حقيقة الأمر هو ” الحرية” وطرح الأسئلة والتشكيك المعرفي بوثائق التاريخ ، وبوثائق المقدس . وهو ليس أداة الحماية للممتلكات الدينية وحسب ، بل حماية السلطة ومفردات استبدادها . إذ أن النشوء والتكون الأول للتحالف بين الدين والاستبداد ، كان حماية مصالح متناقضة قرّبت المسافة بينها إمكانية تعايش ” المقدّس والمدنّس ” : الذي بوصفه غير قابل للنقاش ، والسلطة بوصفها غير قابلة للتغيير . أو مصرّة على أهليتها غير المشكوك في بقائها .
في لغة أدبية يمكن ، إذن ، القول : إنه تحالف المحرّم والحرام ، الأول ” مرفوعاً ” إلى رتبة أخلاقية وقداسة ، والثاني “مخفوضاً ” إلى رتبة ” جنائية ” قابلة للتوسع في توزيع الحصص على الثوابت والدوائم .
لم يكن المقدس ، في أي يوم وعبر العصور ، مجرد تعاليم ، بل جرى تحويله إلى ثقافة . ولأن أي ثقافة هي نتاج عقلي ومعرفي يجب أن تكون الحداثة ، هي أيضاً ، عقل . ولذلك يسعى الدين والسلطة إلى تهميش البحث والتشكك العلمي ، ونشر المعرفة المفتوحة على أفق العالم ، كي يظل الموقف النقدي الثقافي التنويري محكوماً بالرقابة والإرهاب . لقد طوّر العقل الغيبي عقوباته وطرائق تدخله في ” نصوص العقل ” من الرفض ( طه حسين ) إلى القتل ( فرج فودة ) ومن تدخل السلطات في إقرار الكتاب العصياني … (أيّ كتاب نقدي ) إلى تدخل السلطة الاجتماعية ( الجمهور ورعاع الهروات ) .
إن إعاقة ” الخلق الفنّي ” مهمة من مهمات الاستبداد ، لأن الخلق الفني فعل حرية أيضاً . والذي يمنع الخلق الفني أيضاً هو ذوق القراءة ومراتبها الأخلاقية ، حيث يصبح النشاط الجسدي ، المشروع في الواقع ، محرّماً في النص . تماماً كالنكتة البذيئة ومستطرفات الحياة البشرية : مسموح روايتها ، وتكافأ بالضحك السعيد الحر ، وممنوع بحثها وتأريخها وكتابتها . والذي يحاسبون هم كائنات التجمعات البسيطة الذكية وهم _ ياللغرابة _ مؤلفوها !
إن مفهوم الحرام الجنسي هو قيد على الجسد ، اجتماعياً ، وهو ، في الوقت نفسه ، عملية ضبط للملكيات الخاصة واستثمار فيها . ونموذجه النمطي: السماح بالزواج المبني على مصالح ، ومنع الزواج المؤسس على قصة حب .
لم يكن فصل الدين عن الدولة ، في أول حدوثه ، إلا سأماً من فرط التدخل المؤدي إلى إيذاء مصالح الدولة الحديثة في أوروبا . وهو عندنا محرم لأن الأمل الافتراضي ، والمسعى الواقعي هو حدوث الدولة الإسلامية _ بتجليات الخلافة والإمارة _ حصراً ، ذات يوم !
وما من حداثة وتطوير ممكن الحدوث دون ذلك ، والتأخير ىت ، في واقع دولنا الإسلامية والعربية ، من وجود مصالحة مصالح بين الشعوب وحكامها _ثقافياً في درجة أولى _ وعدم نضوج الشرط الموضوعي لقيام الدولة الحديثة ، دولة المواطنين متساوي الحقوق ، لا دولة الوراثة والملكية والعشيرة والمزرعة ، الخاصة ، بحجم بلد !!
إن المحرّم هو الدعوة الأخلاقية إلى السكوت عن الحرية .وقد لا يكون عبثاً وجود التشابه اللفظي بين الحرية والمحرّم والحرام والمُحْرَم والحريم الحرملك و … الاحمرار ، أيضاً ، بوصفه الخجل مما يبدو في أفعالنا من مخالفات … نُقرها عندما نكون تحت ستار كثيف من لذة الارتكاب السري للـــ … حرية !!

03.05.2014

بوابة الشرق الاوسط_الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى