المنطقة العربية : ما الذي يجري، وماهو القادم ؟!

 

اختفى مصطلح (الربيع العربي) من الواجهة.

كان واضحاَ أنه سيختفي، منذ توالدت فيه معطيات مخيفة ومتسارعة، حولت (الربيع) إلى (حرب)، وفرّخت الحرب (حروباً وصراعات) لاتنتهي، ولايمكن البناء عليها في تحقيق منجز مدني وحضاري ما..

فالمصلح، أي (الربيع العربي)، كان يفترض أن يؤسس لجمهوريات جديدة من الديمقراطية والمدنية، ويحسم الكثير من قضايا المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما كان يبدو في (نكهة) العبارة التي يحملها، لكنه، وبدلا من ذلك، ولّد (قبائل) كثيرة (إثنية وطائفية ومذهبية) أحرقت كيانات الدولة نفسها في الجمهوريات المعنية، التي كان مفترضاً أن يزينها الربيع !

ولكي نكون واضحين، من الممكن في تاريخ الثورات والتغيرات الجذرية في العالم، أن ينهزم المشروع الجديد، وقد حصل هذا في روسيا نفسها، ففشلت ثورة 1905 ـ 1907، وتوالد الإرهاب والفوضى، ثم نضجت الأمور عام 1917، لكن الأدوات الحقيقية، التي تشتغل على التغيير، كانت ناضجة ولها برنامج واضح، وإن تغيّرت بعضُ بنوده في اللحظات الحاسمة، وكان لها رؤية، وتهيأت لها الظروف!

المنطقة العربية اليوم، بحاجة إلى تشخيصين سياسيين بآن واحد، الأول:

  • هو التأكد من أن (الربيع العربي)، كان فعلاً مشروعاً للتغيير، أم أنه كان مشروعاً للفوضى، وما يعطي ذلك من أسس للمرحلة القادمة.

والثاني :

  • هو البحث جدياً، عن طبيعة البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، وإمكانية مواكبة لمرحلة ما بعد (موت) الربيع المفترض.

في الحالة الأولى، نحن بحاجة إلى حوار ثقافي فكري ملتزم ومفتوح على مختلف الآراء، تشارك فيه مختلف البنى الثقافية العربية، وتكون قادرة على توجيه (النقد الذاتي) للعقل العربي الذي كان واهناً ومختلاً في فورة الأحداث التي وقعت ، والذي لم نشهد توازنه بعد. بل ونحن بحاجة أيضاً إلى نوع من المساجلة بين أطراف هذه الحوار، وبين بُنى السلطات نفسها التي استهدفها الربيع العربي، ودعوتها إلى الانتقال جدياً من مرحلة الاستفراد في صناعة المصير إلى مشاركة الجميع به، وهي هنا مطالبة أيضا (بنقد ذاتي) جدي. وقد حصل هذا بعد هزيمة حزيران 1967، وعبر عنه جلال صادق العظم في كتابه الشهير: النقد الذاتي بعد الهزيمة!

وفي الحالة الثانية، أي في حالة التشخيص الثاني، نحن بحاجة إلى مطبخ يبحث في طبيعة المجتمعات العربية، وتكوين عناصرها الاثنية والمذهبية والطائفية، ومن ثم البحث عن تلبية احتياجاتها بما لايتناقض مع جوهر المصلحة العربية العليا وتحويل صراع التناقضات إلى سلام أهلي، يحدد القوى الذي تستهدفه أياً كان نوعها ومكانها.

وبين مجموعة هذه المعطيات، يفترض فتح حوار مع مختلف أطراف النظام العالمي، الذي يقوم الآن على صيغة المصالح، لكنه يهوي وينحرف عند بعض الأطراف إلى مشروع هيمنة خطير لا يجر على العالم سوى الحروب !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى