الاقتصاد السوري أمام فرصة للتعافي خلال عقد من الاستقرار السياسي
العامل الحاسم في تعافي الاقتصاد السوري يتمثل في السيطرة على محافظة دير الزور في شرق سوريا، والتي تُعد ضرورية لإحياء الاقتصاد بسبب احتياطاتها الغنية من الغاز والنفط.
تحظى سوريا بفرصة لتحقيق الازدهار لأول مرة منذ سنوات مع وجود جالية ثرية كبيرة من المغتربين والمنظمات الدولية مستعدة للتدخل بعد سقوط الرئيس بشار الأسد، لكنها قد تستغرق عقدًا من الزمن ليتغلب الاقتصاد على تداعيات الاضطرابات الناجمة عن سنوات الحرب شريطة أن تهدأ العواصف السياسية وتحصل البلاد على دعم خارجي، وفقا لما نقله موقع “ذاناشيونال”.
الاقتصاد السوري أمام فرصة للتعافي خلال عقد من الاستقرار السياسي
وعانى الاقتصاد السوري منذ اندلاع الصراع بعد قمع حركة احتجاجية طالبت برحيل الأسد في عام 2011. إذ يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5 بالمئة العام الجاري، وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في مايو/أيار.
بينما أظهرت الإحصاءات الرسمية انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 54 بالمئة بين عامي 2010 و2021. وأشار البنك الدولي إلى أن تأثير الصراع قد يكون أكبر بكثير.
وسيظل الاستهلاك الخاص، المحرك الأساسي للنمو، ضعيفًا في عام 2024 مع استمرار ارتفاع الأسعار في تقليص القوة الشرائية. ومن المتوقع أن يبقى الاستثمار الخاص ضعيفًا في ظل الوضع الأمني المتقلب. وحالة كبيرة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
من المتوقع أن يبقى الاستثمار الخاص ضعيفًا في ظل الوضع الأمني المتقلب وحالة كبيرة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي في الفترة الراهنة.
وتأثر 69 بالمئة من السكان بالفقر، ما يعادل نحو 14.5 مليون سوري وذلك حتى عام 2022. أما الفقر المدقع، الذي كان شبه معدوم قبل الصراع، فقد أثر على أكثر من ربع السوريين في عام 2022، وربما تفاقم أكثر نتيجة تأثير زلزال فبراير/شباط 2023، بحسب تقرير البنك الدولي.
عوامل تدهور أوضاع الأسر السورية
كما ساهمت عوامل خارجية عديدة، من بينها الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا، في تدهور أوضاع الأسر السورية بشكل أكبر.
وقال المستشار الاقتصاد السوري في مركز “جسور للدراسات” خالد التركاوي، إن البلاد ستحتاج من سبع إلى ثماني سنوات من العمل للعودة إلى نقطة الصفر، أي المستوى الذي كانت عليه في عام 2011.
ويعتقد أنه إذا سارت الظروف السياسية بسلاسة والنجاح في استقرار المؤسسات، فإن عشر سنوات من العمل يمكن أن تعيد الاقتصاد إلى مرحلة أفضل بكثير مما كان عليه في عام 2011.
ومع ذلك، يرى المحلل السياسي المتخصص في شؤون إيران وجنوب القوقاز باكو خلادزه، أن العامل الحاسم في التعافي الاقتصادي يتمثل في السيطرة على محافظة دير الزور في شرق سوريا، والتي تعد ضرورية لإحياء الاقتصاد بسبب احتياطاتها الغنية من الغاز والنفط.
الاقتصاد السوري : تراجع إنتاج النفط والغاز الطبيعي في سوريا
وقال خلادزه. “يبقى التعافي الاقتصاد السوري في سوريا مرتبطًا بشكل عميق بمشهدها السياسي المجزأ والمنافسات الدولية. وبدون حوار جاد وحلول بين هذه الأطراف المتنافسة، تظل آفاق الاستقرار والانتعاش الاقتصادي في سوريا قاتمة”.
ويشهد قطاع الطاقة في سوريا اضطرابات منذ عام 2011، حيث تراجع إنتاج النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير. إذ انخفض دون 25.000 برميل يومياً مطلع عام 2015.
بينما بلغ متوسط الإنتاج حوالي 91.000 برميل يوميًا في عام 2023، مقابل أكثر من 400.000 برميل يوميًا بين عامي 2008 و2010، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
الاقتصاد السوري : تراجع سعر صرف الليرة السورية
وتراجع سعر صرف الليرة السورية على نحو مستدام منذ عام 2011 بسبب الصراع والعقوبات والتطورات السياسية، ولكنها شهدت انخفاضًا حادًا في الأيام الأخيرة.
وانخفض السعر الرسمي لليرة السورية مقابل الدولار الأميركي بنحو 270 ضعفًا بين عامي 2011 و2023، ليصل إلى 12.562 ليرة للدولار، وفقًا للبنك الدولي.
وتراجع سعر الصرف مقابل الدولار الآن إلى 19.000 ليرة، من 15.000 ليرة قبل بدء هجوم الفصائل المسلحة. وفي حلب، وصلت العملة إلى حوالي 25.000 ليرة للدولار بسبب الاستخدام المزدوج لليرة التركية في المنطقة.
ومنذ عام 2020، فقدت الليرة السورية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي في السوق الموازية.
في عام 2023، سجل السعر المتوسط لليرة في السوق انخفاضًا بنسبة 141 بالمئة مقابل الدولار الأميركي. وخلال نفس العام، خفض البنك المركزي السوري سعر الليرة الرسمي عدة مرات، لكنه ظل أقل باستمرار من السعر السائد في السوق.
الاقتصاد السوري : دمار واسع للبنية التحتية في سوريا
وتسببت الحرب في سوريا منذ العام 2011، في دمار واسع للبنية التحتية في أنحاء البلاد كافة. بما في ذلك المدن الكبرى وحتى العديد من المناطق الريفية. التي تعرضت لدمار شبه كامل من جراء القصف والمعارك.
المباني السكنية والتجارية، علاوة على المرافق الصحية والتعليمية، وشبكات المياه والكهرباء وغيرها.. كلها تعرضت لتدمير فادح. جلب تحديات ضخمة بالنسبة لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المتضررة، الأمر الذي يتطلب استثمارات ضخمة وجهوداً ضخمة.
وتختلف التقديرات حول تكلفة إعادة إعمار سوريا بشكل كبير. فبينما يرى البعض أن إعادة البناء قد تتطلب مئات المليارات من الدولارات. يعتقد آخرون أن الكلفة قد تكون أقل فيما تبقى الحاجة إلى خطة شاملة. تواكب التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد.
وعلى الرغم من أن عملية الانتقال السياسي لا تزال غير واضحة المعالم. فإن هناك رغبة متزايدة لدى الشعب السوري في إعادة بناء وطنهم والعيش في ظروف أفضل. وهي الرغبة التي تغذي الأمل في إعادة الإعمار كفرصة لبدء مرحلة جديدة. تمكّن البلاد من استعادة قوتها الاقتصادية والاجتماعية بعد أكثر من عقد من النزاع والدمار.
ولا يوجد إحصاء دقيق لكلفة إعادة الإعمار بالبلاد. لا سيما وأن عملية حصر الخسائر تتطلب دراسة تفصيلية للواقع على الأرض. تتضمن تحديد حجم ومدى الخسائر.. فيما تتواتر تقديرات متفاوتة تعكس فجوة واسعة في قراءة المشهد.
وفي العام 2018، قال مسؤول أممي إن سوريا بحاجة إلى 300 مليار دولار لإعادة الإعمار. وفي ديسمبر 2021، أشار المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف، إلى تقديرات بقيمة 800 مليار دولار ككلفة لإعادة الإعمار. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد قدّر التكلفة بـ 900 مليار دولار.
ميدل إيست أونلاين