الحديث يَعود بقوّةٍ عن احتمال تخلّي أمريكا عن قاعدة “العيديد” العسكريّة في قطر..

عندما تتحدّث صحيفة أمريكيّة في وَزن “الواشنطن بوست” عن وجود خُطّةٍ لتسليم قاعدة “العيديد” الأمريكيّة في قطر إلى تركيا في غُضون عامين، وتحت إشراف وزارة الدفاع الأمريكيّة “البنتاغون”، فإنّ هذا النّوع من التقارير الإخباريّة يَجب أخذه على مَحمل الجَد، لأن هذهِ الصحيفة تَملك قنواتِ اتصالٍ متينةٍ وموثوقةٍ في البيت الأبيض والمُؤسّسات الأمريكيّة الأُخرى، ولأن أعداد القوّات التركيّة المُتواجدة في قطر تتزايد بشكلٍ مُتسارعٍ مُنذ بداية الأزمة الخليجيّة.

ما يَجعلنا نَجد مصداقيّة لهذه التقارير، أن الصحيفة نَقلت عن مصادر إيرانيّةٍ احتماليّةَ تخلّي الولايات المتحدة عن هذهِ “القاعدة” التي تَبلغ درجةً من الضّخامة بحيث تستوعب مئة طائرة دُفعةً واحدةً، مِثلما اقتبست عن هذهِ الصحيفة “رأي اليوم”، معلومةً تقول أن تركيا بصدد رَفع قوّاتها من عَشرة آلاف إلى ثلاثين ألفًا في المُستقبل القريب، مِثلما أكّدت مصادر دبلوماسيّةٍ موثوقة.

قاعدة “العيديد” تُعتبر أكبر قاعدة أمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، وتوجد فيها غُرفة العمليات الأمريكيّة الجويّة التي أدارت الحَرب على العراق عام 2003، كما كانت مركز انطلاق للطائرات التي وفّرت الغِطاء الجوّي للغزو الأمريكي، وضَربت بعض المواقع العراقيّة أيضًا، ولَعبت غرفة العمليات هذهِ دورًا كبيرًا في الحَرب ضد “الدولة الإسلاميّة” وقوّات طالبان و”القاعدة” في أفغانستان وسورية والعراق، حسب ما جاء تقرير الصحيفة الأمريكيّة.

انتقال قاعدة “العيديد” إلى السعوديّة أو الإمارات اللتين قدّمتا عُروضًا قويّةً للإدارة الأمريكيّة باستضافتها على أراضيهما، أو حتى انتقال إدارتها إلى تركيا، يتناغم مع الأنباء التي تُؤكّد انحياز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التّحالف الرّباعي السعودي الإماراتي المِصري البحريني، ورَغبته الشخصيّة في نَقل القوّات الأمريكيّة التي يَزيد تِعدادها عن 30 ألف جُندي وقاعدتهم من دولة قطر، والتملّص من أيّ التزامات بالدّفاع عن الأخيرة في حال تطوّر أزمتها مع خُصومها إلى حالةِ حرب.

السعوديون يُقيمون علاقاتٍ تحالفيّة قويّة مع الولايات المتحدة، لا تقتصر على تقديم 460 مليار دولار منها صفقاتٍ عسكريّة، في حُدود 120 مليار دولار، وإنّما تَمتد أيضًا إلى استثماراتٍ في مشاريع البُنى التحتيّة الأمريكيّة، ويُشرف على هذهِ العلاقة شخصيًّا الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي يَعتبر رأس الحربة في الخُصومة ضد دولة قطر، ويُصر على تلبية حُكومتها لجميع المطالب الـ13 المَطلوبة منها دون مُناقشة.

صحيفة “الواشنطن بوست” طالبت الحُكومة الأمريكيّة بعدم التفريط بهذهِ القاعدة، في ظِل عَودة الشائعات بالقوّة التي تتحدّث عن رَغبة الرئيس ترامب وإدارته في التخلّي عنها، ولكن لا تَستبعد مصادر دبلوماسيّة عالية المُستوى تحدّثت معها “رأي اليوم” في لندن، أن يكون القرار الأمريكي اتخذ فعلاً بنقل القاعدة، جُغرافيًّا أو إداريًّا إلى طرفٍ آخر، مع التأكيد على عدم استبعاد كل من الإمارات أو السعودية التي كانت موجودة أساسًا فيها تحت اسم قاعدة الأمير سلطان العسكريّة في مدينة الخرج، قرب الرياض، وانتقلت منها إلى قطر رسميًّا عام 2003 بطلبٍ سُعودي لسَحب “الذرائع″ من تنظيم “القاعدة” وعُلماء الصّحوة الذين طالبوا بإخلائها.

الحَرب على الإرهاب في كُل من أفغانستان والعراق وسورية تُوشك على نهايتها، الأمر الذي لا يَستدعي وجود قاعدة العيديد التي لَعبت، وتَلعب الدّور الأكبر فيها، ولكن نَقلها، أو التخلّي عنها، ربّما يُعطي انطباعًا بأنّ التهديدات الأمريكيّة لإيران وإلغاء الاتفاق النووي مَعها ليست جديّة، لأنه لا يُمكن أن تلجأ أمريكا إلى أيّ خيارٍ عسكريٍّ ضد إيران دون وجود هذهِ القاعدة تحت تصرّفها وقوّاتها.
مُستقبل قاعدة “العيديد” في قطر سلبًا أو إيجابًا، نقلاً أو استمرارًا، لن يُحدّد طبيعة التطوّرات في الأزمة الخليجيّة سِلمًا أو حَربًا، وإنّما أيضًا خريطة الطريق الأمريكيّة فيما يتعلّق بالعلاقة مع إيران في المُستقبل المَنظور.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى