تحليلات سياسيةسلايد

الحكومة الانتقالية في سوريا ورسم معالم المستقبل

شاهر الشاهر

الحكومة الانتقالية في سوريا تدرك جيداً أنه لا إعمار في سوريا من دون الدعم العربي لها، فالولايات المتحدة غير معنية بتقديم أي مساعدات لسوريا، ودول الاتحاد الأوروبي تخشى المزيد من موجات الهجرة إليها.

يبدو أن الحكومة السورية الجديدة معنية بإرسال العديد من الرسائل لطمأنة الداخل السوري “القلق”، والمحيط العربي “الحذر”، والمجتمع الدولي “المتحفظ” على التعامل معها، لأسباب كثيرة وفي مقدمتها الخلفية الفكرية والأيديولوجية لأعضائها.

الحكومة الانتقالية في سوريا ورسم معالم المستقبل

الحكومة الانتقالية من حيث المبدأ هي حكومة مؤقتة، وبالتالي فإن واجباتها تتركز على القضايا العاجلة، وفي مقدمتها تحقيق الأمن والاستقرار وتأمين الاحتياجات المعيشية للشعب السوري.

تصدي الحكومة الانتقالية لبعض القضايا الاستراتيجية، مثل تعديل المناهج الدراسية وإعادة هيكلة الجيش والشرطة، ومعالجة الفائض الوظيفي في بعض الوزارات والمؤسسات، وإجراء تعيينات جديدة شملت عدداً من المديرين العامين وعمداء الكليات وسوى ذلك، يرتب عليها أعباء كبيرة، ويحمّل الحكومة المقبلة عدداً من الالتزامات التي قد لا تتوافق مع توجهاتها.

فترة الأشهر الثلاثة لعمل الحكومة هي فترة قصيرة من وجهة نظري، وكان من الممكن جعلها سنة ونصف السنة كي تكون قادرة على تأمين البيئة اللازمة والسليمة لإجراء انتخابات ديمقراطية في المستقبل.

مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده سيكون أول الاختبارات السياسية للحكومة، وسيعكس قدرتها على تقبّل الرأي الآخر وعدم تكرار أخطاء الحكومة السابقة في تعاطيها مع المعارضة.

السلطة الحاكمة يجب أن تكون محايدة وأن لا تتدخل في خيارات الشعب السوري في اختيار الرئيس المقبل لسوريا، وحينها فقط ستكون حكومة تاريخية إذا استطاعت التأسيس لحياة ديمقراطية حقيقية في سوريا.

النيّات الطيبة والرغبة في العمل وإرادة التغيير قد لا تكون كافية، فالسياسة بحاجة إلى تكنوقراط وقامات فكرية واقتصادية قادرة على وضع خريطة طريق لمستقبل سوريا.

مشاركة الجميع في بناء وطنه أمر هام ويجب أن يكون محط تقدير من الحكومة المؤقتة، خصوصاً أن سوريا “ولّادة”، والعقول السورية “مدهشة” بكل معنى الكلمة.

غريزة الانتقام لا تبني الوطن، وتختلف تماماً عن عقلية بناء الدولة، لذا يتوجب على الجميع طيّ صفحة الماضي والتطلع إلى المستقبل وصولاً إلى سوريا المنشودة.

الحوارات الفكرية التي تجري اليوم في سوريا هامة جداً، لكن محتواها يشكل “ردة” في مستوى التفكير الجمعي السوري، خصوصاً أن القضايا التي يجري تناولها تجاوزناها منذ عقود.

ثقافة الرأي والرأي الآخر يبدو أنها لم تنضج بعد، لذا فقد كان البديل منها عقلية الاتهام والتخوين والتمترس حول الرأي باعتبار التراجع عنه، حتى لو كان خطأً، يعدّ انتقاصاً من قيمة الإنسان.

“المعرفة السياسية” الحاضرة في ذهن كل مواطن سوري تشكّل عبئاً ثقيلاً على الحكومة والمجتمع، خصوصاً أنها حلّت محل “الثقافة السياسية” التي لا يملكها سوى المختصين والممارسين للعمل السياسي.

العودة إلى الحديث عن حماية الأقليات أمر مؤسف، ودليل قاطع على فشل النظام السابق في التأسيس لمفهوم المواطنة الذي نسعى جميعاً للوصول إليه.

تمكين المرأة ودورها في بناء الوطن بات من المسلّمات، ومن الواجب اختيار قيادات نسائية وفقاً لمعايير جديدة، خصوصاً أن المعايير السابقة نالت من سمعة المرأة وجعلت العديد منهن موضع شك.

القلق على “الجغرافية السورية”أمر هام، والحفاظ على سوريا الواحدة الموحّدة يجب أن يكون أولى اهتمامات الحكومة المقبلة، وهو المعيار لشرعيتها ودفع المواطنين إلى الالتفاف حولها.

جمع السلاح وجعله في يد الدولة وحدها مطلب شعبي، ويجب أن يكون في جميع المناطق من دون استثناء، مع ضرورة إرسال رسائل طمأنة حقيقية إلى جميع الطوائف السورية لحثّها على المضي قدماً في دعم هذه الخطوة بدلاً من معارضتها.

مع الإشارة هنا إلى أن “الثورة السورية”تحت المجهر، وإسقاط النظام ليس آخر أولوياتها، فالمتربصون بها كثر، والالتفاف الداخلي حولها هو المعيار الوحيد لنجاحها واستمرارها.

الحكومة الانتقالية في سوريا ما بين المخاوف والتطمينات..

القلق على مستقبل سوريا أمر يعني السوريين وحدهم، أما المخاوف فهي أمر يعني دول العالم، وفي مقدمتها دول الجوار.

الخشية من “تصدير الثورة” أمر مؤكد، ليس لأن الحكومة الانتقالية السورية تريد ذلك، بل نتيجة للترابط والتشابه التاريخي والاجتماعي بين الدول العربية.

مقولة “الثورات لا تصدر” غير صحيحة في واقعنا العربي، فالمجتمعات العربية متشابهة ومتداخلة وتؤثر ببعضها البعض، وما “الربيع العربي” سوى دليل واضح على ذلك.

المخاوف العربية مما يجري في سوريا نابعة من أمور ثلاثة، أولها مضي العديد من الدول العربية خلال العامين الماضيين في ما سمّته”إعادة تأهيل الأسد”.

وثانيها، القلق من الخلفية الدينية والجهادية لحكام سوريا الجدد، وهو أمر يبدو أن الحكومة قد تنبّهت له فوضعت في أولوياتها حل “جبهة تحرير الشام“.

أما الأمر الثالث فهو المخاوف من نجاح التجربة السورية، وهو ما يجعل العديد من المجتمعات العربية تسعى لتقليدها، خصوصاً أن للتيارات الدينية شعبية واسعة في عدد من الدول، وفي مقدمتها الأردن والعراق ومصر.

هذه الأسباب جعلت العرب يتعاملون بروية وحذر مع ما جرى في سوريا، باستثناء الموقف القطري الداعم منذ البداية لما حدث في سوريا، والمتناغم مع الدور التركي إلى حد بعيد.

الانفتاح الخليجي على دمشق جاء بعد الانفتاح الأميركي والأوروبي، ونتيجة لرغبة دول الخليج في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

أما الدور المصري فقد جاء متأخراً واقتصر على اتصال أجراه وزير الخارجية المصري مع نظيره السوري، ولم يتوّج بعد بزيارات رسمية بن البلدين.

الموقف المصري ناتج من اعتبارات عدة أولها الخشية من استضافة دمشق معارضين مصريين، أو التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

ترحيل سوريا لنجل القرضاوي جاء ليرسل رسائل إيجابية إلى القاهرة، وليؤكد أن سوريا لن تكون مصدر إزعاج لغيرها من الدول.

موقف الجامعة العربية جاء منسجماً إلى حد كبير مع الموقف المصري، ولم يبادر المسؤولون فيها إلى زيارة دمشق للمباركة أو نقل مخاوفهم على أقل تقدير.

أما دول المغرب العربي فيبدو أنها تأخرت كثيراً، خصوصاً أن تونس والجزائر كانتا قد أدانتا “الهجوم الذي قامت به هيئة تحرير الشام على مدينة حلب”.

ما تريده الحكومة في سوريا من الدول العربية

اختارت دمشق الرياض لتكون المحطة الأولى لزيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والوفد المرافق له.

هذه الزيارة تؤكد إدراك دمشق للثقل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية، وقدرتها في مساعدة سوريا على رفع العقوبات عنها.

الحكومة السورية الجديدة لديها مطالب عديدة من الدول العربية والمجتمع الدولي، أولها شطب أسماء أعضائها من لوائح الإرهاب ليتسنى لهم لعب دور سياسي مستقبلي بوصفهم رجال دولة لا أعضاء في تنظيمات سلفية.

الانفتاح العربي على دمشق له ثمن، فالعرب يريدون لسوريا الأمن والاستقرار والتركيز على شؤونها الداخلية والابتعاد عن سياسة المحاور التي انتهجتها في الماضي، والتي رتبت عليها عبئاً كبيراً، وحوّلتها إلى بلد مدمّر.

الحكومة السورية تدرك جيداً أنه لا إعمار في سوريا من دون الدعم العربي لها، فالولايات المتحدة غير معنية بتقديم أي مساعدات لسوريا، ودول الاتحاد الأوروبي تخشى المزيد من موجات الهجرة إليها.

زيارة وزيري خارجية كل من فرنسا وألمانيا إلى دمشق، الهدف منها نقل المطالب والمخاوف الأوروبية مما يجري في سوريا، وربط الانفتاح على سوريا بمدى قدرة الحكومة السورية على “تغيير لونها” لتكون حكومة جامعة لكل مكوّنات المجتمع السوري.

العقوبات الأوروبية والأميركية على سوريا مستمرة، وتشكل عائقاً حقيقياً أمام مساعي الحكومة في البدء بإعادة إعمار سوريا.

ألمانيا ليس لديها ما تقدّمه لسوريا على الصعيد الافتصادي، كما إن اللاجئين السوريين لن يعود إلا عدد محدود منهم في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في سوريا.

كل ما تريده ألمانيا هو تلافي حدوث موجة جديدة من اللجوء، في حال تعرض الأمن والسلم الأهلي في سوريا للخطر.

أما فرنسا فما زالت ترى في سوريا منطقة نفوذ تاريخي لها، وهو ما قاله الرئيس جاك شيراك للأميركيين في العام 2003 بعد سقوط النظام العراقي وحديث الولايات المتحدة عن أن دمشق ستكون الهدف القادم لها، حينها قال لهم شيراك “سوريا عراقنا”.

أما باقي دول الاتحاد الأوروبي، فإن مواقفها تأتي منسجمة مع موقف الصقور (فرنسا وألمانيا)، باعتبارهما الدولتين الأكثر تضرراً مما يجري في سوريا.

لا يوجد في سوريا سوى الترقب والقلق، ونجاح الحكومة المؤقتة في معالجة بعض القضايا الاقتصادية والخدمية يجب أن يرافقه إجراءات سياسية واجتماعية على الصعيد الداخلي السوري ينتج منها طمأنة الجميع، وصولاً إلى الانتقال بسوريا إلى المستقبل المنشود.

الميادين نت

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى