الصليبيون والإسلام… فرنسيس الأسيزي رسول السلام!

 

صدر كتاب «القديس والسلطان: الصليبيون والإسلام ومهمة القديس فرنسيس الأسيزي من أجل السلام» (دابلداي ريليدجن ــ 2009) لمؤلفه بول موزس قبل ما يزيد عن عقد من الزمن، لكنني لم أنتبه إليه سوى أخيراً، وهذا ما أسميه «الحظ» المتأخر. لكن يبدو لي أن مادته مناسبة لهذه الأوقات العصيبة التي يمر بها العالم والبشرية جمعاء، رغم قناعتي الداخلية أنّ ثمة مبالغة غير معقولة في تغطية انتشار وباء الكورونا المستجد (هل حقاً: أفضل لنا أن نبالغ الآن من أن نندم غداً!).

في إبان ذروة حروب الغرب الصليبية على بلاد الشام عبر الحملة الخامسة وتحديداً في عام 1219، توجّه راهب من إيطاليا إلى مصر للقاء حاكم مصر السلطان الكامل بهدف تحقيق السلام بين الطرفين. الكاتب بول موزس، وهو أستاذ الصحافة في «جامعة بروكلين» وكاتب متخصص في الأديان، قال: «هذه قصة كيف حاول رجل، بطريقته الخاصة، وقف دائرة العنف (بين الديانتَين – ز م). لقد كتبتُها لأن مثال فرنسيس والسلطان ينادينا من الماضي لتتم استعادته على أنه بصيص أمل في عصرنا».

يعرض الكاتب علينا الرواية الكاملة وفهمه لها بعيداً من التأويلات اللاهوتية وشوائبها في 19 فصلاً موزعة على ثلاثة أقسام هي:

1) الطريق إلى دمياط.

2) الحرب.

3) استعادة القصة.

رأى الكاتب أن هذه المقاربة التي انتهجها ضرورية لأن الروايات اللاهوتية الغربية عن رحلة القديس تخترقها تأويلات لا حصر لها. علماً بأنها تمت في عصر ذروة السلطان البابوي على مختلف مفاصل الحياة في أوروبا. سبب آخر لا يقل أهمية، بحسب كلمات الكاتب، هو غياب أي إشارة في المؤلفات العربية ذات الصلة إلى زيارة القديس فرنسيس ولقائه بسلطان مصر الكامل (1218-1238 تأريخ سائد)، مع أن المستشرق الفرنسي ماسينيون مال إلى عد إشارتين تذكران «الراهب» في نصين لدى بعض الإخباريين العرب الذين عاصروا ذلك السلطان وكتبوا عنه وعن حملة صليبيي الغرب الخامسة وعن الصوفي فخر الدين الفارسي.

يصف الكاتب القديس فرنسيس بأنه من أعظم قديسي الكنيسة الكاثوليكية، ويتحدث عن رحلته بالقول: «في ابتعاد ثوري من عصره، حث (القديس) إخوانه على العيش بسلام بين المسلمين حتى عندما تمسكت الحملة الصليبية الخامسة بنتيجة قاتلة وغير مثمرة. يبقى هذا اللقاء رائداً لا يُنسى للحوار السلمي بين المسيحيين والمسلمين. لقد كتبتُ هذا المؤلف على أمل أن يشجع الآخرين على البناء على مثال القديس والسلطان».

لندع الكاتب يتحدث بكلماته عن الاختلاف بين مؤلفه وما كتب عن ذلك اللقاء، إذ قال: «كصحافي لنحو ثلاثة عقود، سأقول بلغة غرفة الأخبار إن الحقيقة حول فرنسيس وعلاقته بالإسلام والحروب الصليبية قد تم التستر عليها. كُتبت السيرة الذاتية المبكرة لفرنسيس تحت تأثير سلطة باباوات القرون الوسطى القوية، وهم نفس الرجال الذين نظموا الحروب الصليبية واستخدموا الحرمان لإجبار الحكام المترددين على المشاركة. مع وجود البابوية في العصور الوسطى في أوج قوتها الثيوقراطية في القرن الثالث عشر، لم يتمكن كتّاب السيرة الأوائل من قول ما حدث بالفعل في دمياط وهو أن فرنسيس، الذي عارض الحملة الصليبية، كان في مهمة سلام. يخبرني التدريب الصحافي أن أكون متشكّكاً في الميل في يومنا إلى إعادة تمثيل فرنسيس كطفل في العصور الوسطى، وهِيبِّي محب للسلام ومحبوب تم تبنيه كقديس اليسار. كان فرنسيس مخلصاً جداً للمعاناة والتوبة والطاعة والعقيدة الدينية، ليتم طرحه كسلف لهيبيي الستينيات أو حركة «النيو إيدج». مع ذلك، فإن نظرة استقصائية على الوثائق الأولى المتعلقة بفرنسيس تكشف أن السعي من أجل سلام يعني نهاية الحرب، وأنّ التحول الروحي الأكبر للمجتمع كان في صميم مهمة فرنسيس، وبالتالي في صميم رسالته إلى بلاط السلطان».

يصحّح الكاتب النظرة إلى رحلة القديس فرنسيس بالقول: «سيضع هذا المؤلف لقاء السلطان الكامل وفرنسيس في السياق الأوسع لحياتهما. تحقيقاً لهذه الغاية، أدرجتُ قدراً كبيراً من السيرة الذاتية وسرداً للحملة الصليبية الخامسة بهدف إلقاء الضوء على نحو أفضل على ما حدث بين فرنسيس والسلطان عندما التقيا. من منظور القديس، هذا يعني البدء بقصة كيف أن الحرب أصابته في الصميم، وتتويجاً بإلقاء نظرة على كيفية تغيير لقائه مع السلطان وشكله في السنوات الأخيرة من حياته».

يستشهد الكاتب بصحة فهمه الطبيعة السلمية للقديس ومهمته في حقيقة أنه منع أعضاء رهبنته من حمل السلاح، وعاش زاهداً في الحياة رافضاً حياة الثراء والصخب التي كانت سائدة في أوساطه السابقة. وعلى العكس مما أشاعه كتّاب تناولوا الرحلة بالبحث، يوضح قائلاً: «يتجلى توق فرنسيس للسلام مع الإسلام بشكل خاص في اقتراحه أن يعيش إخوته بهدوء بين المسلمين وأن «يخضعوا لهم» بدلاً من الدخول في نزاعات. وهو حكم يظهر في نسخة مبكرة من مدونة قواعد السلوك التي كتبها بعد فترة وجيزة من عودته عام 1220 من رحلته إلى مصر ودليل مقنع على أن لقاءه مع السلطان الكامل أثّر فيه بشدة. هذا كله بل أكثر من ذلك بكثير يجب التفكير فيه لفهم أن فرنسيس كان يحاول صنع السلام في لقائه التاريخي مع السلطان الكامل.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى