تحليلات سياسيةسلايد

الصّدامات الدمويّة في ليبيا مُرَشَّحَةٌ للتّصاعد.. ومعارك طرابلس كسْر عظم.. ب

عندما قصفت طائرات حلف الناتو مدنا ليبية على رأسها العاصمة طرابلس انتصارا لـ”ثورة فبراير”، وبضوء أخضر من الإدارة الامريكية ووزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، لإسقاط حكومة معمر القذافي “الديكتاتورية” وحماية أرواح الليبيين، تعهدت حكومات “الثوار” وداعموها بتوفير الأمن والاستقرار، وإقامة نظام ديمقراطي يكون موضع حسد وغيرة جميع حكومات المشرق والمغرب العربيين والإسلاميين.

الاشتباكات الدموية التي سادت مدينة طرابلس ليلتي الجمعة والسبت الماضيين بين ميليشيات رئيسي الوزراء المتنافسين على السلطة عبد الحميد الدبيبة المتمركزة حكومته في طرابلس، وفتحي باشاغا المدعومة من برلمان شرق ليبيا والمشير خليفة حفتر، حسب مصادر غربية، وادت الى مقتل 32 مدنيا واصابة العشرات، وكان من بين القتلى الفنان الكوميدي الليبي مصطفى بركة، تعكس هذه الاشتباكات بشكل جلي الحالة المزرية للدولة الليبية بعد 11 عاما على “الثورة”، وتدخل عدة قوى دولية وإقليمية في شؤونها، والصراع فيما بينها على ثرواتها النفطية والغازية.

في ليبيا برلمانان منتهية ولايتهما، ومجلس اعلى للدولة، ومجلس رئاسي، وحكومتان، واحدة مقرها طرابلس (الدبيبة)، وأخرى مقرها سرت (باشاغا) وعدة جيوش، وعدة ميليشيات مسلحة، وعدة قبائل، وعدة دول داعمة بالمال والسلاح، والمواطن الليبي الطيب بات الضحية الكبرى، سواء من بقي على ارض وطنه وتحمل القهر، ويعيش تحت الجوع المغموس بالقتل والدمار والتفجيرات، او الذي هاجر الى دول الجوار للنجاة بحياته ويواجه عقوق بعض حكومات ذوي القربى، وتجاهل المجتمع الدولي الذي وعده بالمن والسلوى والرخاء.

هجوم اليومين الماضيين على العاصمة طرابلس تقف خلفه القوات التابعة للسيد باشاغا، والهدف السيطرة عليها والاطاحة بحكومة الدبيبة التي قال رئيسها انه لن يسلم السلطة الا لحكومة منتخبة يتوقع ان يكون هو رئيسها، هذا الهجوم يأتي تكرارا لآخر شنه المشير خليفة حفتر عام 2019 على العاصمة وتكسر على اسوار المدافعين عنها، خاصة التحالف الذي تزعمته ميليشيا مدينة مصراته “اسبرطة ليبيا” والداعمين التركي والقطري لها، الى جانب حركة الاخوان المسلمين.

من المؤكد ان الهدوء الحالي الذي يسود العاصمة بعد يومين من القتال هجوم هش، ومؤقت، ومن غير المستبعد ان تُستأنف المعارك في أي لحظة، بعد فشل كل الوساطات لوقف اطلاق النار وجلب الطرفين المتصارعين الى مائدة المفاوضات للتوصل لتسوية انتقالية وهدنة طويلة الأمد.

الصراع في ليبيا كان، وما زال، وسيظل صراعا على النفط والغاز واحتياطاته الهائلة تحت رمال صحراء هذا البلد المنكوب، واقتسام ثرواته من قبل القوى الخارجية الدولية (أمريكا، فرنسا، إيطاليا، روسيا، وبريطانيا)، والاقليمية (تركيا، مصر، الامارات، وقطر).

بضاعة العنف والإرهاب والتفتت الامريكية والأوروبية في ليبيا رُدت الى أصحابها وفي توقيت على درجة عالية من الحساسية، في ظل ازمة امدادات الطاقة عالميا لنقص كمياتها بسبب الازمة الأوكرانية وتقلص كمية الامدادات الروسية.

الرئيس الأمريكي جو بايدن المتضرر الدولي الأكبر وادارته من الصراعات العسكرية على الأرض الليبية، وتعطل جزئي، ربما يتحول الى كلي، لإنتاج النفط والغاز الليبي في الأشهر المقبلة، فالأسعار ربما تعود الى الصعود في ظل استمرار هذه الازمة، وغموض الموقف حول الاتفاق النووي الإيراني، ولهذا اصدر بيانا (بايدن) عن القلق الأمريكي من احتمالات توقف امدادات النفط وطالب بوقف القتال فورا.

نشرح أكثر ونقول ان ليبيا تنتج حاليا 700 الف برميل من النفط يوميا تريد أمريكا رفعها الى مليوني برميل، ولكن فرص هذا المطلب من التحقيق مثل امل ابليس في الجنة في الوقت الحالي، فهناك تقديرات تقول ان معارك العاصمة طرابلس بمثابة معارك كسر العظم، وتوقف تصدير النفط الليبي وانتاجه مهدد بالتوقف الكلي في أي لحظة، سواء في الهلال النفطي في الشرق غرب بنغازي، او في الجنوب الليبي، حيث تندلع احتجاجات شبابية وقبلية في فزان، تهدد بأعمال عنف قد توقف الإنتاج المقدر بحوالي 300 الف برميل يوميا، أي ما يقرب ثلث حجم الإنتاج الليبي الكلي.

الصدامات والصراعات السياسية والعسكرية في ليبيا مرشحة للاستمرار والتصعيد، وربما بصورة أكثر دموية، للأسف، في الأيام والاشهر المقبلة، حيث فشلت كل المؤامرات والمبادرات الدولية في التوصل الى حلول مستدامة، ومصالحة وطنية، ويعتقد الكثير من الخبراء في الشأن الليبي ان الحل الذي يطالب به البعض، والمتمثل في اجراء انتخابات تشريعية مبكرة ما زال بعيدا، وحتى وان تحقق فقد لا يحظى بقبول الجهات المهزومة لنتائجه، تماما مثل جميع الانتخابات السابقة، نقولها وفي الفم مرارة نحن الذين وقفنا ونقف في خندق الشعب الليبي، سواء عندما عارضنا غزو الناتو، او التدخلات الخارجية جميعها بعده، ونالنا الكثير في هذه الصحيفة بسبب ذلك، وما علينا الا انتظار الفرج الرباني.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى