الضحك على اللحى
الضحك على اللحى… ماذا يعني قولنا مثلا : ضحكت على لحيته ؟ كلنا نعرف أنه ما من عضو في جسمنا إلا وله وظيفته الخاصة به في خدمة الجسد ، فالعين مثلا للإبصار والأذن للسمع واللسان للتذوق و طق الحنك … وهكذا… فلماذا اللحية للرجل، ماوظيفتها ؟ قد يفسر بعضهم ذلك بأن وظيفة اللحية حماية الوجه .. ولكن النصف الأعلى والأجمل من الوجه عار من الشعر فما الذي يحميه ؟ و قد يقال : لقد خلقت اللحية لبث الرعب في قلب الخصم الذي نتعارك معه ، و لكن قد يملك الخصم أيضا لحية فما العمل وقد تساوى الخصمان في إستخدام اللحية ؟.. و إذا كانت كل هذه التفسيرات وسواها غير مقنعة تماما فلماذا يحرص كثير من الرجال على إطلاق لحاهم حتى اليوم .
لعل أطرف ما نشر حول هذه المسألة إستبيان وزعه أحد الأكاديمين في جامعة دمشق على عينة عشوائية من الطلاب الملتحين في كليتي الأداب والصيدلة فقط عددها مئتان، وقد طرح في الإستبيان سؤال واحد هو التالي :(ما هي الإعتبارات التي دفعتك إلى إطلاق لحيتك ؟)
وقد جاءت النتائج كما يلي :
40 طالبا تعبيراً عن تعلقهم بالفكر الإسلامي ؟ و 40 آخرون إستجابة لنزعة جمالية . و 30 طالباً بسبب الإهمال والكسل . و 30 آخرون إقتداء بشخص يعتبرونه مثلاً أعلى لهم و 22 آخرون انعكاساً لحالة من الإحباط الشخصي و 16 طالباً لأسباب صحية طبية ، و 10 لإعتقادهم أن اللحية مظهر للثقافة والنضج و 6 طلاب تعبيراً عن رفضهم أساليب الحياة السائدة في المجتمعات الإستهلاكية كالهبيين مثلاً ، و 6 ليس لديهم أي سبب خاص – و المجموع العام مئتا طالب .
واضح من هذه النتائج أن النسبة الأكبر للملتحين هؤلاء تعود لأسباب فكرية و دينية فلسفية ..
وهذا دليل في إعتقادنا على أن تطور الوعي الإنساني عموماً مازال محكوماً لدى معظم البشر بظاهرة الشكل الخارجي بعيدا عن الجوهر الحقيقي للوجود البشري أصلا فالبدائيون كان رجالهم كلهم من الملتحين و كأن اللحية لدى الذكور عنصر مساعد في مساعدة الرجال على خوص المعارك بعضهم مع بعض و هذا سبب لم يعد له ضرورة قتالية مع التطور نحو عصور الحداثة ، ولكن لماذا هذه العبارة تستخدم حين نقول ضحكنا على لحية فلان مع أنه ليس له لحية مثلا ؟!.
هل هو تأثير الموضة الرائجة حاليا لدى الذكور في العالم أجمع أم هناك أسباب أخرى أعمق نفسيا ؟! و لماذا نقرن الضحك باللحية ؟.
لا بد إذن أن نفكر في أن الرجال وحدهم دون النساء متميزون عنهن أن الأنثى لا لحية لها كالذكر و كأن اللحية أصلا عنصر بشري يدل على الرجولة أكثر من أي عنصر واضح في النظرة الأولى إلى الشخص . و بهذا المعنى و قد بات معظم الرجال يحلقون ذقونهم أن نفهم مغزى اقتران الضحك باللحية في العبارة الشائعة التي نستخدمها للسخرية من التصرفات التي تدين الشخص بفقدانه رجولته نقول : ( ضحكنا على لحيته ) و كأننا نقول : هذا الشخص يتظاهر بالرجولة وهو فاقد لها ولكنه لم ينجح في خداعنا أنه رجل بحق… و لكن الموضة العالمية للأزياء و العادات والتقاليد في عصورنا الحديثة باتت واحدة تقريبا إذ نلبس ونأكل ونتصرف حاليا كالأوربيين أو الأمريكيين في معظم أقطارنا العربية حتى في الإحتفاظ باللحية أو التخلي عنها …