الطائرات المُسيَّرة التركية سلاح إردوغان الأقوى في المنطقة

 

يستخدم الجيش التركي هذا النوع من الطائرات بكثافةٍ جداً وبالتنسيق مع أقمارها الصناعية العسكرية لمُراقبة تحرّكات الجيش السوري وحلفائه من روسيا وإيران وحزب الله في الشمال السوري غرب الفرات وشرقهبثت قناة TRT الحكومية التركية وNTV الخاصة في اليوم الأول من عيد الفطر المبارك فيلماً وثائقياً عن قصة الطائرة المُسيَّرة الهجومية الجديدة  AKİNCİ التي قامت بتصنيعها شركة بايكار التي يمتلكها سلجوك بايراكتار صهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ويبدو واضحاً من هذا الفيلم أن الطائرات المُسيَّرة المُسلّحة منها وغير المُسلّحة أيضاً  باتت من أكثر الأسلحة  فعاليّة في العالم  بسبب قُدراتها العالية في الوصول  إلى أهدافها من دون اكتشافها بسهولةٍ  من قِبَل العدو، كما هي توفّر الحماية  الكاملة وبأقل التكاليف  للعساكر الذين يقومون بتنفيذ العمليات المهمة، وكما هي الحال بالنسبة للجيش التركي في سوريا  والآن في ليبيا وقبل ذلك العراق وبدأ إهتمام أنقرة بالطائرات المُسيَّرة عندما قرَّرت شراء عشر طائرات من “إسرائيل” لاستخدامها في رَصْد تحرّكات مُسلّحي حزب العمال الكردستاني جنوب شرق البلاد. وتأخّرت تل أبيب آنذاك في تسليم  الطائرات المذكورة، كما هي تأخّرت لاحقاً في إزالة العطل الذي أصاب البعض منها ليتبيّن في ما بعد أن العساكر الإسرائيليين الذين كانوا يقومون بتشغيل  هذه الطائرات يرسلون الصوَر التي يتمّ التقاطها في جنوب شرق تركيا وشمال العراق إلى الجيش الإسرائيلي أيضاً.

وتوقّف التعاون التركي تماماً مع “إسرائيل” بعد حادث العدوان الإسرائيلي على سفينة مرمرة المُتوجّهة إلى غزّة في أيار/مايو 2010  وهو ما أدّى إلى مقتل  عشرة من المواطنين الأتراك. وبعد فترة قصيرة من ذلك التاريخ قامت شركة الصناعات الجوية التركية بتصنيع أول طائرة مُسيّرة تمّ تطويرها محلياً لتحل محل الطائرة الإسرائيلية من طراز HERON ولم تكن تحمل أي سلاح بل تقوم بعمليات الرَصْد والتصوير بعد أن رفضت واشنطن بيع أنقرة طائرات مُسيّرة من طراز PREDATOR.  وقرَّر المسؤولون الأتراك بعد الموقف الأميركي والإسرائيلي هذا الاعتماد على الذات واستنفار كل الإمكانيات لدعم مشاريع شركة بايكار ومهندسها الشاب سلجوق بايراقدار الذي تخرّج من الهندسة الكهربائية في أنقرة،  ثم  حصل على شهادة الماجستير من جامعة بنسلفانيا في أميركا وسجّل لدراسة الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فعاد إلى تركيا من دون الحصول على الشهادة فتزوّج من سمية إردوغان في 14 أيار/مايو 2016.

وكان الصهر بايراقدار قد بدأ تعاونه مع الجيش التركي قبل عام من هذا الزواج عندما نجح في كانون الأول/ديسمبر 2015 في تطوير طائرة مُسيّرة من طراز TB2 تستطيع  ضرب أهداف من على ارتفاع أربعة كيلومترات ومدى ثمانية كيلومترات، ويمكنها التحليق على ارتفاع 24 ألف قدم لمدّة 24 ساعة، وتحمل 55 كيلوغراماً من الصواريخ الموجّهة. وتمّ استخدام  هذه الطائرات بشكلٍ مُكثّف في عفرين، فقتلت ما لا يقلّ عن 500 من المُسلّحين الكرد وعدد أكبر من هؤلاء جنوب شرق تركيا وشمال العراق.

وتحدّثت وسائل الإعلام التركية والأجنبية عن العديد من السيناريوهات الخاصة بهذه الطائرات التي بدأ بايراقدار بتصميمها وهو طالب دكتوراه في أميركا  ومعه البعض من الشباب الآخرين من جنسيات مختلفة، ومنهم الإيراني مسعود مولوي وقيل عنه أنه من عباقرة الذكاء الاصطناعي. وتحدّث مولوي الذي يحمل شهادة الدكتوراه  في حسابه على شبكات التواصُل الاجتماعي عن تعاونه مع الشركات التركية في مجال تصنيع الطائرات المُسيّرة ومن دون أن يدخل في التفاصيل.

وجاءت المُفاجأة عندما اغتال مجهولون مولوي في إسطنبول بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي وكان يقيم في تركيا منذ بداية 2018، وتحدّثت الأخبار الإيرانية “عن دور الاستخبارات الخارجية في عملية تهريبه” بعد أن خدم في مؤسّسات إيرانية مهمة وحسّاسة وجاءت المفاجأة الأخرى بعد أسبوعين من هذا الاغتيال عندما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية معلومات مفادها أن شركة بايكار نجحت في تطوير الطائرات المُسيَّرة من طراز TB2 المُسلّحة بعد حصولها عام 2015 على محرّكات الصواريخ من طراز هورنت التي صمّمتها وصنعتها شركة EDO MBM TECHNOLOGY ومقرّها مدينة برايتون.

وكذًب سلجوك بايراقدار هذه الادّعاءات وقال “إن شركته لم تحصل على تكنولوجيا بريطانية وهي غالية جداً، وأنهم صمَّموا وطوّروا محرّكات أكثر فعالية من المُحرّكات البريطانية”،  ويبدو أن الإيراني كان على عِلمٍ بها وبالمُحرّكات التي يستخدمها الأميركيون في طائراتهم المُسيّرة.

ولم تبق فعاليات الشركة التركية ضمن حدود هذه السيناريوهات، فتحدّث البعض عن تعاونٍ أوسع بينها وبين أوكرانيا التي كانت تصنع قطع محرّكات الطائرات والصواريخ السوفياتية. وتحدّث سلجوق بايراقدار في 18 أيلول/سبتمبر العام الماضي عن مثل هذا التعاون وقال “إن الطرفين سيقومان بتصنيع مُحرّكات الطائرات الحربية والمُسيّرة وتطوير أسلحتها”.

وجاء هذا التعاون كرسالةٍ ثانيةٍ من أنقرة إلى روسيا التي لم يعترف الرئيس إردوغان بضمّها شبه جزيرة القرم، وسبق له أن التقى زعيم الأقليّة التركية في القرم خلال زياراته إلى كييف. تزامن ذلك مع الفتور والتوتّر الذي ساد علاقة أنقرة مع موسكو على خلفية مسألة إدلب التي كانت مسرحاً مهماً لاستخدامٍ مُكثّف جداً للطائرات المُسيّرة للرَصْد والقصف ضد الجيش السوري وحلفائه ولصالح المجموعات المُسلّحة، حيث استهدفت طائرة  مُسيّرة تركية اجتماعاً مهما لمجموعةٍ من القيادات العسكرية السورية والإيرانية قرب قرية الزربة جنوب حلب في 28 شباط/فبراير بعد يومين من مقتل 33 من العساكر الأتراك في جوار إدلب، حيث أسقطت الدفاعات الجوية السورية البعض من هذه المُسيّرات.

ويستخدم الجيش التركي هذا النوع من الطائرات بكثافةٍ جداً وبالتنسيق مع أقمارها الصناعية العسكرية لمُراقبة تحرّكات الجيش السوري وحلفائه من روسيا وإيران وحزب الله في الشمال السوري غرب الفرات وشرقه.

وهو ما تفعله الآن وبكثافةٍ أعلى في ليبيا إلى جانب قوات حكومة الوفاق التي تدعمها أنقرة بكافة انواع الأسلحة وباعتراف الرئيس إردوغان، وكما هي الحال في سوريا والشمال العراقي إذ تقوم المُسيّرات التركية بمهامٍ دائمةٍ وناجحةٍ ضد مُسلّحي الكردستاني.

وتتحدث المعلومات عن دعمٍ مُطلَق من الرئيس إردوغان، بصفته رئيس مجلس إدارة الصناعات الحربية الوطنية، لصهره الأصغر سلجوك بايراقدار، الذي يبدو أنه نجح في مهمّته هذه، ما سيساعد الجيش التركي على امتلاك المئات من الطائرات المُسيّرة بتكاليف قليلة، وهو مستمر في تطويرها لتُنافِس الطائرات الأميركية بما فيها تلك التي أسقطتها إيران في حزيران/يونيو 2019. وهذه المسيرات هي من طراز RK-4 غلوبال هوك ويصل سعرها إلى 220 مليون دولار، ويوجد على الطائرة الضخمة عدد من أجهزة المراقبة المُتطوّرة جداً أبرزها رادار عالي الدقّة وكاميرا رقمية ضوئية، ومُستَشعِر للأشعة تحت الحمراء ومهمّتها التشويش الإلكتروني على الدفاعات المعادية.

كما يسعى سلجوك بايراقدار وفريقه إلى تطوير الأسلحة التي يتمّ تزويد الطائرات المُسيّرة بها لتعمل باللايزر وعلى مسافاتٍ بعيدةٍ تمنح القوات التركية التفوّق في أية مواجهات مباشرة أو غير مباشرة مع العدو الذي سيحدّده الرئيس إردوغان. كل ذلك مع استمرار العمل على تصميم وتصنيع طائرات مُقاتلة لتزويد الجيش التركي بها من دون الحاجة لأسلحة دول الأطلسي ولاحقاً روسيا التي ترى الأوساط العسكرية التركية في أنظمتها الدفاعية خطراً على الطائرات المُسيّرة التركية في سوريا ولاحقاً ليبيا في حال تدهور العلاقات بين بوتين وإردوغان.

وبات واضحاً أن إردوغان يريد لطائرات صهره المُسيَّرة “الحلال” أن تساعده في تحقيق أهدافه العقائدية في المنطقة وفي سوريا أولاً، وفي ليبيا ثانياً، إضافة إلى دول أخرى تنتظر دورها ومنها الإمارات التي يتحدّث الإعلام الموالي لإردوغان عن “ضرورة تلقينها الدرس الذي تستحقّه في عُقر دارها”، وإن لم يكن من تركيا فلماذا لا يكون بالطائرات المُسيّرة المُتواجِدة في القواعد التركية في قطر!

ومن دون أن يهمل الإعلام الموالي لإردوغان هجومه التقليدي ضد محمّد بن سلمان حليف محمّد بن زايد ليكونا ومعهما عبدالفتاح السيسي في مثلّث العداء للرئيس إردوغان الذي يقول “إن تركيا ستمتلك قريباً كافة الأسلحة الخفيفة والثقيلة الوطنية للتصدّي لكل أعداء البلاد”. وهي الأُمنية التي إن تحقّقت بشكلٍ أو بآخر فسوف تجعل من تركيا القوّة الاقليمية الأكثر  تأثيراً بعد أميركا وروسيا، وحينها سيكون لها حساباتها الخاصة التي يقوم إردوغان بما يقوم به من أجل تحقيقها منذ ما يُسمَّى بالربيع العربي الذي إن لم يخدمه حتى الآن  في أي شيء، فقد ساعده على تصميم  وتصنيع سلاحه الأقوى في المنطقة، والمتمثل بمئات الطائرات المُسيّرة في الجو لتحمي عشرات الآلاف من جحافل مُسلّحيه على الأرض في سوريا وليبيا والعراق ولاحقاً في أماكن أخرى قريبة أو بعيدة.

 

 

الميادين.نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى