القصيدة العمودية إلى أين ؟!
القصيدة العمودية إلى أين ؟!… تكتسب الفنون العريقة أصالتها من خلال الخصوصية التي يجتمع بها المجتمع البشري في بيئة معينة ، فإذا فحصنا قصيدتنا العمودية بهذا المنظار فلا بد أن نضع في حسباننا البيئة التي تتميز بها شبه جزيرة العرب كبادية أو كصحراء ، و أن المناخ كان يعكس خصوصية محددة ببيئتها العريقة بين ماضيها الحضاري و حاضرها الصحراوي الجاف، و أن هذه العراقة بين خصب البيئة القديم و جفافها أخيرا ، و أن هذه التحولات بين الرقي و التخلف تفسر في تصورنا رقي القصيدة العمودية من حيث نظامها العروضي الثري في تنوعه و الذي لا يفهم جيدا إلا في ظل الإزدهار الحضاري الذي يوفره الإستقرار و التقدم و التواصل الفسيح الدائب بين الأطراف في ممالك راقية مندثرة.
غير أن القصيدة العمودية إهتزت أخيرا و داهمتها بفعالية عالية قصيدة ” التفعيلة ” فقصيدة ” النثر ” إلا أنه تحولً لم يكن شاملاً كاملاً حتى الآن ، إذ ما يزال للأسلوب العمودي شعراؤه و ما يزال الجمهور العربي يطرب لسماع القصيدة الموزونة على أبحر الخليل و لكن الشعراء الذين يتقنون إبداعها قلة نادرة ، و معظم الآخرين نظامون يكررون إنتاج دروسهم التي تلقوها من دون أي تميز يشكل إضافة حقيقية أو نقلة نوعية ذات شأن ضمن المدرسة التقليدية .
لا بد من الإعتراف إذن أن القصيدة العمودية تعاني مضاعفات واسعة ينسحب ظلها على المشهد الثقافي العربي بأكمله وأن التغيير بات مطلوباً من الجميع المبدعين وقرائهم معاً ، و أن حل المشكلة يخضع لقوانين تشمل الفنون بأجمعها ، غير أن التجديد لا يعني قلب المائدة الشعرية رأساً على عقب ، و أنه من الممكن مقاومة هذا التغيير المبالغ فيه ، و أن هذه المقاومة بقدر ما هي إبداعية ، هي في الوقت نفسه مقاومة ممكنة وضرورية لا تتعارض كثيرا مع الحداثة المرضية للجميع والخالية من التعصب الجامح .
من هنا أتصور أن إشكالية الشعور العربي مرتبطة بالتطور الحضاري عموماً والذي يسمح بالتعددية الفنية أو الثقافية ضمن الوحدة العالمية، وهذا ما يدفعني إلى الإعتقاد بأن القصيدة العمودية سوف تبقى على قيد الحياة من حيث نظامها الأساسي غير أنها يجب أن تعتني بأساليب تعبيرية ومجازية جديدة إلى جوار شعر التفعيلة و قصائد النثر .
هذا التنوع الحيوي مطلوب كما أتصور في ميدان الفنون والجماليات كلها، وما دام هذا التنوع مطلوباً فإن القصيدة العمودية ستبقى مطلوبة ولكن من خلال مواهب أخرى متطورة قادرة على الإبتكار والتجاوز ولكن ضمن النظام الواحد الذي يسود الكوكب وليس حكراً على بلاد معينة وحدها !.