المثقفون الطغاة
المثقفون الطغاة …لا يولد المستبد الطاغية من فراغ ، أو من نفسه ، أو يولد لسبب بيولوجي مثلاً أو بفعل مصادفة مناسبة ، وإنما يتكون كالجنين في رحم التعصب أو الجهل أو الأزمة وغيرها من عوامل تنزل بأمة من الأمم فيتغذى الجنين بها ، ويمهد لشروق شمسه ، وتمجيد قداستها حين يبزغ إلى الوجود كرمز حي لخلاص أمته .
و بعكس ما يروج كثير من المثقفين عن وجود تعارض بنيوي بين الثقافة والإستبداد فإنهم معرضون مثل غيرهم من العامة لوباء التعصب أو الإرتزاق و النفاق – و الخوف أحياناً – فإذا هم يتحولون إلى أبواق تنفخ في الدعوة للمستبد قبل ظهوره أو لتكريس حضوره المجيد بما يملكون من مواهب و أدوات في التعبير و التبرير .
لم يظهر إذن إلى الوجود إيفان الرهيب ، وستالين ، وهتلر ، وموسوليني ، وسالازار ، و بينوشيت و ميلر شيفيتش وغيرهم من طغاة الضفة الشمالية للعالم مصادفة أو بنفحة من قدرات خارقة فيهم ، و إنما لأن بلادهم كانت مهيأة لهم بسبب ظروف قاهرة خانقة أطبقت على بلادهم ( مثل روسيا ) أو أطماع توسعية سلبت عقول أهلها ( كألمانيا النازية ) أو موجات عاتية من التعصب القومي أو الطائفي جرفتها ( كما حدث في يوغوسلافيا ) فمثل في وهم أهلها أن خلاصها المؤجل لا سبيل له إلا بقيادة مركزية ذات قبضة فولاذية تحرق المراحل بقراراتها الشجاعة و أدائها السريع السباق ، فإذا تراجعت فيما بعد ظاهرة الإستبداد في تلك الضفة من العالم لأسباب موضوعية فإننا سكان الجنوبية للعالم ما نزال نعاني من الجهل والإستبداد والتعصب ما يفتح الباب لحديث هام واسع فيما نرى أنه ما يزال لأنصار النظام الإستبدادي أنصار كثيرون من المثقفين، إذ تراهم في مجالسهم يدافعون كأفراد وجماعات عن حكم الأمويين والعباسيين مثلاً أن هؤلاء نشروا الإسلام بالقوة في ممالك واسعة وأن الإنحطاط الذي أصابهم فيما بعد جعل سبب سيطرة الأعاجم على معظم البلاد الإسلامية من دون أن يقيم هؤلاء المثقفون وزناً كم طرأ على الحكام العرب المسلمين أنفسهم من إنحطاط في أساليب حكمهم الإستبدادي والأخلاقي … كما نجد مدافعين عن حكام إستبداديين مثل ” هتلر ” و ” ستالين ” مثلاً كبطلين تاريخيين في حين أن أسلوبهما في الحكم هو الذي أطاح بألمانيا “النازية” و “ الحكم السوفياتي ” و لم يقيموا أهميه لأخطاء ستالين مثلاً أو هتلر في أسلوب حكمهما الديكتاتوري …
أبدا … لقد تحول هؤلاء المثقفون إلى جهلة ومتعصبين لم يدركوا دور الحرية في تربيتهم كمواطنين صالحين في وطن صالح ضمن قانون يحمي الإنسان كمواطن صالح بحق نفسه و حق وطنه وحق الأخرين ، و أن لا نظام في إفساد البشر أسوأ من فقدان الحرية القانونية ضمن الدساتير العادلة و إستبداله بحكم الطغاة.