نوافذ

المشي

أنا أمشي كل يوم… ولا أصل.

“سألقاك غداً في وقت سابق”

فهو أقدم مهنة في التاريخ. إن هذه الأعضاء المهملة هي التي أوصلت الإنسان إلى القمر. الأقدام خالقة السهوب والجبال والغابات، مليئة بذاكرة المتاهات. ومليئة بجراح العودة مشياً على الأقدام من منفى إلى وطن.

الأقدام أداة حرية. ونعمة وصول. وقاهرة الأزمنة السحيقة.

المشي في ظل منع التجول ومنع الذهاب بعيداً عن ساعة البيت، وتوقيت الوصول النظامي المحدد… هو نوع من اختلاس الحرية في طرق لم تعد مأهولة، وحدائق لم تعد مفتوحة، ومطاعم عشش على أبوابها العنكبوت.

المشي أداة تذكر ما دمره النسيان. ومراجعة لدعايات قديمة لمختلف أنواع الأمل، وإعادة الاعتبار للانتباه، ولأغاني الصمت.

المشي في المدينة المغلقة المتوجسة المذعورة… هو محاولة للإيمان مجدداً بأن الحياة لا تنهيها الحرب، فكيف تقضي الحياة على واحدة من أدواتها…. كورونا وخنازير ودجاج وخفافيش؟

المشي. إذا فتحت صفحة من كتاب بعينيك على وعثاء الملل… وقرأت: “أعتقد أن التفاؤل يجب أن يكون مرتبطاً مع فكرة أن “شيء” سيكون جيداً في هذه الحياة. ولكن يجب أن نعيش هذا “الشيء” … معه أيضاً”.

هو  أداة نسيان الفراق المرّ. والعلاقات الممزقة والغيابات المؤلمة.

اقترحت نظرية لنسيان من أحببت، بأن تمشي مائة وواحد كيلومتر بإيقاع يومي. وفي آخر متر من المشي المقرر…. من الكيلومتر الأخير، من المتر الأخير… اجلس على مقعد في حديقة، ودخن غيومك، وتأمل هذه السماء الزرقاء التي يوجد تحتها أقدام تمشي… نحو غايات صعبة. وأقدام تنجز النسيان.

وفيما أنت تتهيأ للمشي مغادراً لتعيش منجزاً نسيانك… تأتي فتاة وتقول لك: وأنا أيضاً أنهيت المتر الأخير من نظرية النسيان، فتعال نحتسي نخب إنجازنا.

وفي المتر الأخير من الجلسة السعيدة يرن هاجس الكيلومترات الجديدة القادمة!

وفي المتر الأخير من الجلسة السعيدة، أمسكت يده قبل أن يرن هاجس الكيلومترات القادمة!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى