أنسام صيفية

المواجهة الأصعب

المواجهة..

كنت أعاود قراءة رواية ” دروب الحرية ” بأجزائها الثلاثة الضخمة للفيلسوف الوجودي الشهير ” جان بول سارتر ” التي صدرت بترجمتها العربية عام 1961 أي منذ ستين عاما فإذا بي أشعر أني الأن أفهم هذه الرواية بشكل أفضل من قراءتي الأولى كعمل ثقافي جبار تحكمه فلسفة معينة هي ” الوجودية ” و التي تتركزمبادؤها الأساسية على مفهوم جديد معارض للفلسفات الكلاسيكية وغيرها والمنطوية على محور أساسي واحد يمثل التفكير المثالي لتلك الفلسفات المعتمدة في منهجها الفكري على ” المثاليات” أو ” الماهية ” المتميزة بتفكيرها الغيبي الذي يعتمدعلى الفرضيات المثالية بدلا من اعتماد الواقع الحي الملموس لحياة البشر عموما أي ” وجود الإنسان” الواقعي لا المثالي حسب ما توحيه الأصول الأخلاقية أو الأديان عموما . و بهذا الفارق تتميز الفلسفة الوجودية بإعتماد الإنسان كمخلوق حرّ في تصرفاته حرية مطلقة من كل الواجبات ، وان كل فرد مسؤول وحده عن تصرفاته.

من هنا خطر لي و أنا أقرأ أن أتساءل : ماذا يقول إذن الوجود البشري الحالي في أيامنا الحالكة هذه سوى أن هذه الاديان و الفلسفات لم تنجح في إنقاذ البشرية من كوارثها المتفاقمة كما يحدث الآن في السباق الخطير مثلا بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على الاسواق الاقتصادية العالمية وغيرها من أخطار تهدد حياة البشر عموما في جميع القارات ، وهل سينجح البشر مثلا في إيقاف هجوم الأوبئة – كما يحدث لظاهرة ” فيروس الكورونا” التي توشك أن تغدو وباء يقضي على الملايين.

من هنا وجدتني أتساءل إذا كانت ” الوجودية” تتميز بأنها الفلسفة الأساسية في تبنيها وجود الإنسان ككائن حي  عاقل وحرّ و أنه لا يحتاج إلى الأديان التي عجزت عن هداية البشر وأن الإنسان بالتالي ما يزال في وجوده الراهن يتعرض إلى مواجهة خطيرة جدا ، وهي أنه وحيد في هذه المواجهة وأن البشر أجمعين معرضون للهلاك فرداً فرداً، أي أن البشر عجزوا حتى الآن عن توحيد الجماهير الواسعة في تلك المواجهة الخطيرة والتي تهددهم جميعا ، أي لا خلاص كما يبدو بما تقوله الأديان والفلسفات المثالية وإنما بما يقوله الوجود البشري الحر أن كل هذه الغيبات التي لم تنجح من ألاف السنين في تحسين الوجود البشري فما العمل ؟..إذا  لم تستطع كل الجهود البشرية أن تتفاءل أخيرا بأن البشر سوف يفهمون وجودهم وحرياتهم فيه

ويتصرفون فعلاً بما توحيه هذه الحرية بعيداً عن غرائز الأنانية والأطماع الغريزية المخيفة أو أن لا خلاص للإنسان لا بالوجودية ولا بالمثالية.. فلا” سارتر” و أمثاله من الوجوديين “ولاهيجل ” أو “سبينوزا” و أمثالهما من المثاليين …صالحة فلسفته لإنقاذنا فما العمل ؟…

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى