افتتاحية الموقع

اندفاع أردوغان نحو سورية: موقف استراتيجي أم مناورة تكتيكية؟!

‏د. فؤاد شربجي

‏معنى الموقع مهم جدا. فمن على منصة قمة حلف الناتو في واشنطن خاطب أردوغان الرئيس السوري بلهجة راجية للاجتماع واللقاء.ل (تجاوز مشاعر الخصام والقطيعة) وأبدى أردوغان تساهلا كبيرا بأن ترك للأسد أن يختار القدوم إلى تركيا. أو اختيار بلد ثالث للاجتماع فيه. وأوضح الرئيس التركي أنه كلف وزير خارجيته بلقاء نظيره السوري للعمل على تحقيق عقد الاجتماع مع الأسد، واستعادة العلاقات الطيبة مع الدولة السورية..

كل ذلك أعلنه أردوغان من على منصة قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المنعقدة في واشنطن. وهذا يحمل معان كثيرة إضافة لتساؤل أساسي حول جدية وصدق أردوغان في تبني مقاربة تحترم سورية وسيادتها. وهذا ما يطرح التساؤل. إن كان هذا التوجه التركي نحو سورية سياسة استراتيجية حقيقية أم مناورة سياسية تكتيكية. من منارات أردوغان التي عهدتها سورية عنه.

‏طبعا كان للرئيس الروسي بوتين الإسهام الأكبر في فتح صفحة التواصل التركي مع سورية لتجاوز آثار السياسات الأردوغانية خلال السنوات الماضية، ولتحجيم الدور الأمريكي في سوريا أو إلغائه. كما ساهمت بغداد بواساطة أعلن عنها رئيس وزرائها محمد شياع السوداني. والآن يأتي إعلان أردوغان من على منصة قمة الناتو. وهو الحلف العسكري الأمني الذي يلتزم أردوغان به وبسياساته. وهذا ما يعطي معنى المباركة غير المعلنة منه لتحرك أردوغان نحو سورية. ودعم صامت لتوجهه لاستعادة التفاعل والتعاطي والتعاون مع الأسد.
‏ووضع المبادرة الأردوغانية في سياقها التاريخي يفرض علينا أن نتذكر أن الناتو هو من كلف تركيا بما قامت به ضد الدولة السورية منذ بدء الأحداث في العام 2011. والآن من على قمة الناتو وبما يشير إلى مباركة. يتوجه أردوغان إلى الأسد بطلب الاجتماع. و(تجاوز مشاعر الخصام والقطيعة) وهذا ما يضع احتمالا كبيرا بتغيير ما من الناتو تجاه سورية. رأس الفعل فيه أردوغان مرة أخرى.وكما كان أردوغان رأس الفعل المخرب في سورية هاهو يبادر ليكون رأس الفعل باستعادة التعاون مع الأسد.

سوريا لم ترد حتى الآن على دعوات الرئيس التركي للاجتماع ، ومازلنا عند تصريح الرئيس الأسد لمبعوث الرئيس الروسي بوتين قبل أسبوع عندما قال له أن (سورية مستعدة للتعامل إيجابا مع أي مبادرة للتقارب مع تركية على أساس السيادة السورية الكاملة) وهو نفس الموقف الذي أعلنته الخارجية السورية هذه الأيام.

وعدم التجاوب السوري بقبول اللقاء مع أردوغان مباشرة. كذلك عدم الرفض الواضح له. بل وضع الأمر وإرجاعه إلى سياق سياسي هادئ. مرده إلى التأني السوري في سبر وفحص تطور مواقف أردوغان. والتأكد من مدى استعد ده الحقيقي لتلبية المطالب- الحقوق السورية. فهو حتى الآن لم يعلن أن اجتماعه مع الأسد سيدرس التعاون معه لوضع (برنامج زمني مرحلي لانسحاب القوات التركية من سورية) وهو المطلب أو الحق السوري الوطني الذي يحقق السيادة الكاملة التي اعتبرها الأسد أساس أي لقاء مع أردوغان. كما لم يصدر عن أردوغان أي موقف تجاه إرهاب الفصائل المقيمة تحت حمايته. وهذا ما تصر عليه دمشق كمطلب وحق وطني.

‏كذلك فإن سورية تنظر لقضية اللاجئين بأنها ولدت كنتيجة لسياسات أردوغان في دعم الفصائل الإرهابية في حربها ضد الدولة السورية. والتي تسببت بلجوء أعداد كبيرة من السوريين هربا من الحرب والإرهاب وضيق العيش. وهي سياسات نفذها أردوغان بدعم وتكليف من الغرب الأطلسي ممثلابالناتو. وهو ما سيجعل حل قضية اللاجئين متعلق أولا برجوع الناتو ممثلا بأردوغان عن كل ما تسبب به في هذه القضية. من دعم الجيش الوطني السوري التابع له والفصائل المسلحة والتي ترى سورية أن معظمها إرهابي. ومع التراجع التركي عن دعم الإرهاب. فإن على أردوغان أن يعمل لدفع الناتو للرجوع عن سياسات الحصار الاقتصادي والعقوبات. التي ما زالت تشكل حجر عثرة في تسهيل رجوع اللاجئين إلى بلادهم. وتدرس سورية مدى استعداد أردوغان للعمل في مجال إزالة الحصار الاقتصادي ورفع العقوبات عن سورية. او تجاوزها بأي طريقة لتوفير الإمكانية الاقتصادية لعودة اللاجئين السوريين.

‏صحيح أن أردوغان وكبار مسؤوليه أعلنوا أن (لا نوايا لتركيا تطمع بأرض سورية) وصحيح أن وزير دفاعه أعلن (استعداد بلاده للانسحاب العسكري من سورية) ولكن الصحيح أيضا أن سوريا تعرف (ارتكاز السياسة التركية علىاستمرار الحضور الإداري والأمني في الشمال السوري) وأن هذه السياسة حتى الآن لم تعلن تغيير ارتكازها هذا. و لم تعلن تركيا نيتها استبدال هذا الارتكاز بالتعاون مع الدولة السورية. بدل الحضور التركي المباشر الإداري والأمني في الشمال السوري. والسؤال الأهم الذي تطرحه سوريا للدرس بعد أن أغلقت الأبواب أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وعودة أردوغان لاستبدال الالتحاق بأوروبا بجعل تركيا (دولة إقليمية مركزية) وهذا ما يستدعي التعاون مع سوريةواستعادة العلاقات معها. هنا سؤال سورية الأهم: هل مبادرة الرئيس التركي لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سورية يرتكز على احترام حقيقي لسيادة هذا البلد بكل الأشكال. أم هي مناورة أردوغانية لإقامة علاقات طبيعية مع سورية تسهل جعل تركيا دولة إقليمية مركزية مع تغطية وتمويه حضورها ونفوذها في الشمال السوري بعبارات ودية عاطفية غير سياسية لم تعد تنطلي على أحد فكيف على من خبر مثل هذه المنارات الأردوغانية.

‏باختصار أردوغان الأطلسي يتعاون مع بوتين والعراق. ويعلن التوجه للتعاون مع سورية. وتجاوز ما مضى. وسورية مستعدة للانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون مع أردوغان إذا تأكدت وضمنت صدق نواياه تجاه السيادة الكاملة وشاملة للدولة السورية على أرضها وشعبها. وأول هذه الضمانات إعلان خطة وبرنامج زمني لانسحاب القوات التركية من الأرض السورية. و إعلانه الحرب على الإرهاب القابع تحت رعايته.

التعاون السوري التركي وفق مبدأ حسن الجوار واحترام سيادة كل منهما للآخر. فيه مصلحة للبلدين والشعبين وللمنطقة والعالم. خاصة إذا خلصت النوايا التركية لتجاوز الماضي وللانخراط في محاربة الإرهاب الحقيق. الناس تترقب والقضية فيها تعقيدات كثيرة. ولكن الاصرار والصدق ينتجان الحلول لأصعب المشاكل.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى