تحليلات سياسيةسلايد

انطلقت شرارة الانتفاضة المُسلّحة الثانية..

انطلقت شرارة الانتفاضة المُسلّحة الثانية…. العمليّات الهُجوميّة الفدائيّة الأربع التي نفّذها خمسة فدائيين لا ينتمون “رسميًّا” إلى أيّ فصيل فِلسطيني مُقاوم، أو مُستسلم، أو بين البينين، نجحت في تحقيق أهدافها في إسقاط كُل نظريّات الأمن والاستقرار الإسرائيليّة ودمّرت معنويّات المُستوطنين، وزادت من منسوب القلق، والرّعب، والاكتئاب، في صُفوفهم في كُل بقعة من فِلسطين المحتلّة.

هذه العمليّات الأربع نجحت في قتل 14 إسرائيليًّا، وإصابة 20 آخرين على الأقل، لأنّها لم تكن من تخطيط تنظيم، أو حركة مُقاومة فِلسطينيّة، وجاءت مُحاكاةً للانتفاضة الأولى، وكونها جميعًا ضربت أهدافًا في مناطق مُحتلّة عام 48، هُنا يكمن سرّ قوّتها، وضخامة تأثيرها، وما ترتّب وسيترتّب عليها من تبعاتٍ آخِرها فشل قوّات الجيش والأمن الإسرائيليّة في اقتِحام مخيّم جنين الذي لا تزيد مِساحته عن كيلومتر مربّع واحد، واعتِقال والد وأسرة رعد حازم بطل عمليّة شارع ديزنغوف الأخيرة في وسط مدينة تل أبيب، وتدمير منزلهم، لشراسة المُدافعين عنه، وخوفًا من خسائر أكبر.

***

مخيّم جنين بات أيقونة المُقاومة الفِلسطينيّة لصلابة رجاله وعشقهم للشّهادة فقبل عشرين عامًا حاولت المدرّعات الإسرائيليّة اقتِحامه لاغتِيال أو اعتقال خليّة للجهاد الإسلامي فيه بزعامة الشهيد الطوالبة، واستمرّت عمليّة الاقتحام أكثر من 12 يومًا، تكبّد المُهاجمون فيها مقتل 24 جنديًّا من بينهم جِنرالات وعُمداء وعُقداء، ولهذا اختارت قيادة القوّات المُهاجمة اليوم إيثار السّلامة، والانسِحاب بطَريقةٍ مُهينةٍ تقليصًا للخسائر.

الشهيد رمضان عبد الله شلح (أبو عبد الله) زعيم حركة “الجهاد الإسلامي” الراحل قال لي إنه أعطى حُريّة القرار للخليّة المُقاتلة المُحاصرة في المخيّم في حينها، فكان الرّد هو القتال حتى الشّهادة، وأبناء هؤلاء يُكرّرون المشهد نفسه، والتّضحية نفسها، وعلى رأسهم الشهيد رعد حازم، الذي قدّم والده فتحي خطبة تأبينيّة وداعيّة ستَدخُل التّاريخ لمعانيها الجهاديّة المُؤثّرة والشّجاعة، ولهذا طالب عوزي دايان نائب رئيس هيئة الأركان السّابق وجِنرال الاحتِياط الحالي باغتِياله بصاروخ فورًا.

العمليّات الأربع هزمت الكيان المُحتل لأنّها ضربت في الخاصرة القويّة وليس الرّخوة للاحتِلال، أيّ في المُدُن الكُبرى المُحتلّة، تل أبيب، بئر السبع، الخضيرة، بني براك، أيّ بعيدًا عن أعين قوّات عسعس سُلطة أوسلو، وخارج مظلّة عملهم الخِياني مع الاحتِلال تحت خطيئة التّنسيق الأمني.

استراتيجيّة المُقاومة الفلسطينيّة الجديدة تأتي من شقّين، الأوّل: ميدانه الجو، والصّواريخ الباليستيّة، وتجسّد هذا الشّق بكُل وضوح في معركة “سيف القدس” في شهر رمضان الماضي، والثاني: في عمليّات نوعيّة أرضيّة بالسّلاح النّاري الآلي، أيّ ليس بالأحزمة النّاسفة، والتّركيز على عناصر الجيش والشّرطة، وحرس الحُدود، رغم أن جميع الإسرائيليين يحملون السّلاح، ويُصنّفون في خانة جُنود الاحتِياط لخدمتهم الإجباريّة في الجيش الإسرائيلي.

يقتلون الآلاف من الفِلسطينيين، وينهبون أرضهم، ويقتلعون أشجار زيتونهم، ويُدمّرون بيوتهم، ويَسجُنون الآلاف من أسراهم، ويُذلّونهم أمام المعابر، ويسرقون أرضهم وبحرهم ومائهم وهوائهم، ثمّ يقولون لهم لماذا تفرحون وتُوزّعون الحلوى ابتهاجًا بهذه العمليّات الثأريّة، أيّ نوع من البشر هؤلاء؟

العالم الغربي المُنافق، القاتل، المُستَعمر، يُسبّح بمجد “المُقاومة” الأوكرانيّة ليْل نهار، ويمدّها بأحدث الأسلحة، ويعتبر تصدّيها للاجتِياح الروسي قمّة الأخلاق وحق الدّفاع عن النفس، وعندما يُقدّم أيّ شاب فِلسطيني مُؤمن مِثل رعد حازم على الانتِقام لأشقائه ضحايا الاحتِلال يُصنّف إرهابيًّا، وإذا تفهّمنا نحن وأمثالنا دوافعه، بل إذا انتقدنا مُجرّد انتقاد جرائم الحرب الإسرائيليّة في حقّ أهلنا في الأرض المُحتلّة، فنحن “أعداء الساميّة” المُقدّسة، وندعم الإرهاب، ويضعونا على قمّة القوائم السّوداء، ويُؤيّدهم هذا الغرب المُنافق.

نفتالي بينيت يُمارس أبشع أنواع الكذب عندما يقول إن الانتفاضة الثانية المُسلّحة استمرّت عدّة سنوات، ولكنّنا انتصرنا، وموجة “الإرهاب” الفردي عام 2015 استمرّت أكثر من عام ودفعنا ثمنها 50 ضحيّة وانتصرنا في النّهاية، وهذه المرّة سننتصر أيضًا.

إسرائيل لم تنتصر في أيّ حرب شنّتها ضدّ العرب والفِلسطينيين مُنذ هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967، والخطّ البياني لهزائمها في هُبوطٍ مُتسارع حتى وصل القاع وما دونه، نتيجة لمعركة “سيف القدس” الأخيرة قبل عام، حيث هرول ستّة ملايين مُستوطن إلى الملاجئ، وانعزلت إسرائيل عن العالم 11 يومًا كان يُمكن أن تطول لأسابيع لولا هرولة جو بايدن إلى القيادة المِصريّة واستِجدائها للتدخّل لوقف إطلاق الصّواريخ من قِطاع غزّة وليتَ هذه القِيادة لم تفعل، أو تلكّأت قليلًا.

الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الإسرائيليّون وسيندمون عليه دهرًا، اعتِقادهم أن الرئيس محمود عبّاس هو الصّورة الاوضح للفِلسطينيين، وأن الحُكومات العربيّة المُطبّعة بنُسخَتيها القديمة أو الجديدة، هُم التّمثيل الأنصع للشّعوب العربيّة والإسلاميّة، ولذلك توغّلوا في فُجورهم وجرائهم، وتشابهت عليهم البَقَر.

***

هذه الانتفاضة المُسلّحة الثانية انطلقت بقُوّةٍ ولن تتوقّف، لأنّها شبابيّة عفويّة وبلا قيادة واضحة يُمكن أن ترضخ لضُغوط السّماسرة العسكريّة والماليّة في داخل فِلسطين المُحتلّة وخارجها، وتأتي مُكمّلة لفصائل المُقاومة “الصاروخيّة” وتجسيدًا للوحدة الوطنيّة المُشرّفة التي ترتكز على إرث المُقاومة، وليس إرث أوسلو، وصمة العار الأكبر في تاريخ الشّعب الفِلسطيني.

“إسرائيل” لن تجد وصيًّا بعد اليوم على هذا الشعب الفِلسطيني الجبّار وأرضه، ولن تجد رئيسًا تَكتُب له بيان إدانة عمليّات المُقاومة وتطلب منه قراءته على شاشات التّلفزة وإلا، فقد فضح شُهداء عمليّات تل أبيب والخضيرة وبئر السبع وبني براك الخمسة جميع المُتواطئين مع الاحتِلال، الرّاكعين عند أقدامه، ناهيك عن الاحتِلال وأُكذوبة قوّته وتفوّقه، ولعلّ حالة الهستيريا والرّعب التي يعيشها الكيان هذه الأيّام، وهُروبهم في الشّوارع بلا هدى طلبًا للسّلامة، هو أحد أبرز أدلّتنا.

إنه “الفجر الجديد” الذي انطلقت إرهاصاته مع مقدم شهر رمضان الفضيل، شهر التّضحيات، والأيّام المُقبلة حافلة بالمُفاجآت العظيمة.. والقادم أعظم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى