بين قوسينكتاب الموقع

رواية القوقعة …

ارتبط اسم رواية القوقعة ، التي ألفها مصطفى خليفة، والتي منعت من الدخول إلى سوريا لأسباب تتعلق بصراحتها وفجاجتها السياسية المناهضة لحكم المنظومة الأمنية  ..

ارتبط في ذهني بحالة التقوقع والانعزال التي يعيشها المواطن العربي بكل أشكالها .. نحن نتعاطف مع القصة ونبكي على شخوصها وتستفزنا أحداثها، وقذارة جلاديها، فالقمع هو سمة تجمع البلدان العربية، وبلدان العالم الثالث التي تمنع الفكر الحر من التحليق في فضاءات مواطنيها ..

وتمنع عنهم معرفة الحقائق التي تحدث في دهاليز سلطانها .. خوفاً من أن تفقد السيطرة عليهم ومن أن يبدؤوا تمردهم .. الذي بالتأكيد سيكلفها مناصبها ومكاسبها وسلطانها ..
والمواطن العربي  ليس حبيس زنازين الأمن، والمعتقلات السياسية التي يعارضها فحسب .. بل تبين أنها حولته ضمن خطة محكمة وسياسة ممنهجة ليصبح  حبيس فكر وانتماءات وعادات بالية، جعلت منه لعبة يعتاش عليها متسولي السلطة،  وطلاب المناصب .. يستغلون حالة التخلف والظلم والخوف التي وقعت عليه ليخترقوا باطنه ويتحكموا فيه ويسيطروا عليه ، ويقودونه من جديد لتحقيق مصالحهم السلطوية ..!
وبالتالي فان عدم نهوض المجتمعات العربية ارتبط بشكل كبير بحكم الاستبداد والقمع الأمني، الذي هيأ الأرضية المناسبة لبناء مجتمع هش .. سهل السيطرة والتحكم والاختراق  قائم على الفساد والسلطة والابتزاز الديني ..
(الابتزاز الديني ) ظاهرة متفشية تشهدها المجتمعات العربية بأجلى صورها، تقوم على الحكم على الأفراد من خلال انتماءاتهم الدينية والطائفية وتقييم الأخر من خلال “كم وكيف” الطقوس والممارسات والشعائر التي يمارسها .. مما يساهم في تعزيز التقوقعات الدينية والطائفية ، ويزيد الشرخ الاجتماعي الذي يتم استغلاله في الوقت المناسب لتدمير بنية مجتمع كان يدعي التعايش وهو بالحقيقة مجبر عليه ..
واقع لم يعد غافلاً على أحد اليوم .. خاصة بعد أن رفعت القنوات الإعلامية عنها غطاء الحياء وبدأت بالمجاهرة فيه علناً ..
إننا مجتمع قائم على الطوائف والقوميات والعشائر وإلى اليوم لم نعرف معنى الوطن والعيش المشترك إلا من خلال يافطات جميلة براقة حملها بعض الشباب الجميل الثائر .. متقوقعين على من يشبهنا ونخاف الآخر المختلف عنا ..
فنحن نعيش في قوقعة .. خارج قضبان السجون. نعيش في رواية القوقعة الأنا…. في قوقعة الخوف من الأخر …. في قوقعة الاستبداد… في قوقعة التطرف ….
ولكي نخرج من قوقعتنا لايكفي أن نفك قيود الاعتقال ونكسر قضبان السجون ..علينا أن نفك قيود العقل ونحرر الكلمة والفكر .. ونزيل قناع الأحكام المسبقة وقشرة التعصب الديني والتطرف الفكري .. علينا أن نتحرر من ذواتنا وأنانياتنا وأحقادنا وطوائفنا ونفتح ذراعينا للآخر ..
هذا يتحقق بنيّة صادقة أن نعترف أولاً بمشكلتنا ونقاط قوتنا وضعفنا ورواسب تخلفنا .. ومن ثم أن نفتح ذراعينا لنتعرف على الآخر معرفة حقيقية عن تربية وثقافة وعلم .. فأنا لا أريد أن أزين قوقعتي وأجمّلها .. أريد أن أحطمها لأتنفس حقيقة أن الانسان والأوطان تبنى فقط بتحطيم القواقع.

 

04.12.2013

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى