حرب استنزاف (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

1

…في صراع الدول القديمة مع جماعات الإرهاب. تسقط الموصل في يد داعش. الدول التي تشبه الديناصورات تحاول بناء نظام إقليمي جديد. لكن الإرهاب بكامل نشاطه يجتاح حتى القواعد المؤسّسة لدولته الافتراضية. لم يعد الإرهاب مهتماً بالجمهور أو بقاعدته الجماهيرية. كما يبدو أنه أصبح محترفاً في خلق فضاء حربي يشبه ديكورات زمن الغزوات. داعش في الموصل بعد حصارها إقليمياً في سوريا. وقريباً في منطقة سقوط جديد لدولة الديناصورات التي لم يعد أمامها طريق إلا الدفع الذاتي ورعب المجتمعات من الإرهاب.
هذا هو الموديل المصري القابل للتعميم قريباً. الديناصور في طبعته الجديدة كمحارب الإرهاب، بينما الإرهاب ينتحر على كل أرض. فلم يعد أمامه إلا "حرب استنزاف"… والصيغ التي عبرت بها المنطقة سنوات ما بعد الاستعمار لم تعد صالحة لكنها بلا بديل ولن تغادر… تتغيّر السلطات أو تتمترس الدول في مقابل الغزاة/الإرهابيين… لكن الثورة وما فجّرها ما زال واقعاً ضاغطاً.
الموديل المصري انتقل باستلام السيسي السلطة إلى مرحلة جديدة تماماً… سيختلف فيها السيسي/البطل الذي أعاد مصر من الإخوان كما تترسّخ الصورة عند جماهير واسعة من مؤيديه، عن السيسي، الرئيس الذي عليه أن يقيم الدولة من رمادها ويواجه الإرهاب في مزاجه الانتحاري ويسدّد فواتير أحلام ما بعد الاستعمار كلها.
والسيسي أهميته أنه المركز في إعادة بناء "توازنات" أنظمة ما بعد الاستعمار… أي أنه محور الدفاع الأخير عن الماضي… الذي يريدون له أن يكون المستقبل.

2

…في عالمهم الموازي ما زال "الإخوان المسلمون" يحلبون الثور ليبدو المرسي "رئيساً غائباً"… وفي انتظاره لم يعد لدى "الجماعة" سوى كيان ممزق يُدار بالدفع الذاتي وخطابات تنتمي إلى الكوميديا. وبينهما (الكوميديا والتراجيديا) تسارع "الجماعة" الى إخلاء مساحات أمام "النظام" الجديد الذي تعتمد شرعيته لأول مرة على إعادة بناء "هيبة الدولة"… وللمفارقة فإن هذه "الهيبة" لم تستطع إنكار "ثورة 25 يناير" وإن كانت وضعتها – وكما جاء في خطاب السيسي – في إطار صراع على السلطة فازت الجماعة بجولته الأولى ثم غادرت الملعب نهائياً في جولة ثانية.
وبدلاً من الإيمان بمنطق "السياسة" استمرت الجماعة في الانتحار في عالمها الموازي دفاعاً عن السلطة… كما لو كانت معركة أخيرة…
معركة ترميم التوازنات بين القوى المتناحرة على السلطة ومرجعياتها الدينية والعسكرية… معركة ليس فيها عداء كامل أو تحالف كامل… والأهم أنها معركة بلا نصر.

3

…وبينما داعش تبتلع الموصل… بدت الطائفية، المذهبية، العنصرية وقد وصلت إلى مرحلة "حرب القبور …".
مَن سيبقى متمترساً عند حدود التحالفات القديمة، على أساسها الهوياتي، سيذهب إلى موته سريعاً… وهذا غالباً سر التقارب بين تركيا وإيران الذي يبدو أنها محاولة للهروب إلى الأمام… وفي هذا الإطار تأتي أخبار متداولة عن مصالحة بين مصر وتركيا. وهي أول حركة للسيسي خارج مجاله في السياسة الدولية (…والخليج في مركزه). الوسيط إيران كما تقول الحكاية التي تم تسريبها بعد لحظات من عدم دعوة تركيا إلى حفل "التنصيب". الوساطة تهدف إلى اجتماع رباعي كما قال مساعد وزير الخارجية الإيراني.
هذه هي الحكاية لكن ماذا ستعنيه فكرة المؤتمر الرباعي (بحضور السعودية)… هل تخلّص أردوغان من اللعب الضيق داخل هويته الإخوانية، أم أن إيران تنازلت عن حلمها في مواجهة الهلال السني…؟ أم أنه بعد فشل المرسي والإخوان في لعب دور الوحش السنّي لم يعد مجدياً البحث عن وحش جديد؟


إلى أين لعبة تفكيك وتركيب الشرق الأوسط؟ وإلى متى تغيب أحلام المجتمعات عن الخرائط التي يلتهم الإرهاب منها قطعاً ويهدّد وجودها دائماً…؟
وماذا بعد التهام الموصل؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى