فن و ثقافة

حوارية المخرج السينمائي السوري محمد ملص : حديثه عن الشخصية في السينما والأدب

أعد الحوار وشارك فيه : عماد نداف

 

خاص  لبوابة الشرق الأوسط الجديدة

كشف المخرج السينمائي السوري محمد ملص في حواريته مع المثقفين والسينمائيين الشباب الذي حضرو اجتماعا موسعا معه أقامته جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب عن رؤيته في بناء شخصياته في الأفلام التي أنتجها في حياته المهنية.

 

وقد أعطى المخرج المذكور لهذا الحوار أهمية كبيرة عندما باح في مقدمه أنه متهيب من هذا الحوار ” لست قادرا على إخفاء شعوري بالخوف من هذا المختبر  الذي اسمه اتحاد الكتاب العرب في حديثي عن مفهوم بناء الشخصية في العمل الفني سواء في الأدب أو في العمل السينمائي”.

وقال : ” هذا اللقاء ، كنت أعد له من أربعة أيام ، ليس بمعنى الخوف والقلق بل ماذا يمكن أن تقول إلى من ينتمون إلى مختبر إبداعي في سورية” .

وكان هذا المدخل الذي يشير إلى تواضع المخرج المذكور إشارة إلى أهمية ما سيقوله عن رؤيته ، فعاد إلى بداية أعماله عند عودته دارسا الإخراج السينمائي ، فنبه إلى أنه تبنى شعار (السينما للثقافة)، “فمنذ البداية ، وحتى عدت إلى بلدي عام 1974 اخترت أن أنتمي إلى سينما للثقافة وليس للترفيه ، وهي مودرن يروج لها بمحاولة استئصال أي نوع من الثقافة في بعض البلدان العربية كي يستأصل من الثقافة العربية كل ما حاولت إنجازه “.

وأكد المخرج ملص أن الثقافة لايمكن أن تكون حيادية تجاه مايحدث في العالم ومن حولها، ثم عرج على طريقته في فهم الشخصية والبحث عمن يؤديها في العملية السينمائية فعاد أربعين عاما إلى الوراء وتوقف عند تجربة فيلمه السينمائي (أحلام المدينة)، وشرح كيفية البحث عن الفتى الذي سيؤدي الشخصية الأساسية في الفيلم، ولأنه لايعمل فيلما كل ثلاثة أشهر، لأن الفيلم يحتاج إلى وقت، يحتاج إلى المشتهى والخيال والمعاش. بحث عن أعداد كبيرة من تلاميذ المدارس واختار من بين 300 تلميذ تلميذاً واحداً للتمثيل، وبين أن الاختيار لم يتم اعتباطيا بل إن الهواجس دفعته إلى انتقائه بطريقة نادرة ” وأذكر هنا ، دورا ما للا شعور، وأذكر أنني في أحد الأيام ، سهوت من التعب، فشاهدت أحد الأطفال من الثلاثمائة طفل الذين صورتهم لأنتقي واحدا منهم، فإذا بي أعود إلى طفل باب السريجة ، والطفل كان ابن مدير الصندوق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكي أصل إليه وأقنع أسرته بعمله معي، تذكرت أني كنت قد درّست أخاه ، وتعرفت عليه لأنه كان يقوم بإيصال منشورات منظمة التحرير لي. ، فوافق أبوه “.

وأشار المخرج السوري محمد ملص إلأى أزمة السينما السورية وأخطاء الإدارة السينمائية : “ليس عندي أي شعور بطول وقت الإنتاج، وفي السينما السورية هناك كارثة كبرى فبدأت كالعادة عندما تولاها القطاع العام ، ورأسه يابس يكرس الانتاج السوري فقط للمؤسسة العامة للسينما ولأنها لاتبحث عن شباك التذاكر، وفي كل مرحلة وكل عصر هناك من يحمل القرار ولا تعرف ما و سبب هذا القرار”.

وكشف ملص أنه في كثير من المرات لم نقبل المؤسسة العامة للسينما السيناريوهات التي قدمها للإنتاج، وأنه لايعرف لماذا، رغم أنه ضحى ليكون إنتاجه سورياً خالصاُ، ويحمل رسالة وطنية ، ويقول : ” أنا خسرت منتجين أجانب، لأني رفضت تصوير مشاهد خارج  سورية ، وهذه حماقة أعتبرها الآن “.

وعندما سئل عن قلة إنتاجه أعاد السبب إلى المؤسسة العامة للسينما، أشار إلى أنه ومنذ سيناريو فيلم (سينما الدنيا) الذي قدمه عام 1999 ورفضته المؤسسة، لم يعد يتقدم بأعمال لها ، واكتفى بما أنتجته له من قبل .

وعن أعماله الأخرى أوضح ملص أن فيلم (الليل) هو فيلم المكان، وكان همه القنيطرة، ومنح لهذا الفيلم أربع سنوات من عمره، أما فيلم (أحلام المدينة) فهو فيلم الزمان ، وقال :

كان لايعجبني في فيلم الليل أن لايموت والدي على يد أبناء بلدي ، كنت أشتهي أن يموت على يد المحتل، لذلك صنعت الموت المشتهى، أي الموت أثناء الاحتلال.

وأوضح ملص أن فيلمه (باب المقام) لايقل أهمية عن فيلم (الليل)، وخاصة أن موضوع هذا الفيلم انتشر في الصحافة وقتها وذكر أنه قام بخديعة الجهة التي قدمت له معونة مالية في فرنسا “فقد حصلت على معونة فرنسية بخمسين ألف فرنك فرنسي، وكانت الجهة الداعمة تريد في الفيلم قصة عن (جرائم الشرف)، لكني صنعت في الفيلم قصة بلد ، رغم أن الحادثة كانت معروفة ووقعت في حلب” .

أما في  فيلم (الليل) فقد  كان الدعم 800 ألف دولار، وأنا فرضت ذلك على الجهة الداعمة، بأن يكون الدولار مساويا لليرة سورية واحدة.

وعن روايته (إعلانات عن مدينة كانت تعيش قبل الحرب ) التي كتبها قبل خمسين عاما، كما قال” وكنت في مقتبل الشباب، كنت أريد إعادة بناء المدينة (القنيطرة التي هدمها الاحتلال الإسرائيلي) ولو على الورق، وذلك لأنني لا أستطيع بناء مدينة دمرتها إسرائيل قبل أن تعيدها لنا. القنيطرة ليست فقط مسقط رأسي، بل هي ذاكرتي، ومنها فقدت والدي، وهذا مادفعني لإحياء المدينة وشخصياتها ولهذا اتكأت على هذه الذاكرة، وكنت مندفعا لإحياء الشوارع والدكاكين والشخصيات .

وأوضح المخرج السوري محمد ملص المذكور أن الشخصيات التي يستعيدها لم تكن سطحية، ولم تكن مركبة، كانت حياة (إيجابيا وسلبيا)، مؤكداً الحياة هي التي تقدم لنا المادة الأساسية لبناء الشخصيات.

ورأى أن بناء الشخصية يعود دائما إلى محاولة خلق الشخصية بسماكة، معينة فيما يخص أنواع الفن والأدب، “فإذا كنت أريد أن أمنح الأدب مذاقا بصريا، أريد أن أشحنها سماكتها، بعالمها الداخلي، بما ترغب، بما تفتقد”. ويضيف : ” كنت أريد الفيلم حاملا رسالة، وغالبا ماكان يسيطر علي إلى درجة كنت فيها أنكفئ إلى ما كان مفقودا، تجاه ما أرويه أي الغائب. منذ البداية رغبت أن أحقق ثلاثة أفلام ، ومن خلالها يمكن اكتشاف العناصر التي أسعى من خلاله البناء الشخصية، والعمل الأول كان المفقود، ، ثم الذات المفقود.

قررت أن أبني لنفسي طريقة في بناء الشخصية، وهذه نظرة خاصة وليست تنظيرا. وتتكئ الشخصية على أربعة عناصر، كما أراها :

أولا : المحكي أو المقروء. أي يجب أن يكون لديها ذخيرة من الواقع أو المقروء أو من تجارب أخرى .

ثانيا : المعاش أي الذي تريد أن تتناوله وقد عشته. ويقول الياس خوري في روايته حديقة الحواس: هناك قول منسوب لهارون الرشيد في كلامه عن الشاعر ابن أثري يقول له :

إذا كنت قد رأيت ما ذكرت فقد رأيت عجبا. وإذا كنت قد رأيت ما رأيته، فقد يكون أدبا . يعني الأدب أن تكون قدعشته،

ثالثا : المتخيل .

رابعا : المشتهى .

وبين المتخيل والمشتهى تظهر إيقونة الصورة التي تعبر عما تريد قوله ، ويعطيان الفرصة الكاملة لتحقيق ماتريد. المشتهى لا ينتمي إلى الشهوة، بل إلى شيء آخر.

حينما تعاني من مشكلة المفقود ، فإنك يجب أن تدرك أن الراهن لا ، والمفقود نعم . يجب أن تحول السماكة الفردية إلى معنى . ونبه إلى أن الموقف الأخلاقي يجب أن لايكون المعيار.

وجوابا على سؤال عن مصير أبيه الذي أورده في حديثه عن المشتهى، ومن قتله أجاب المخرج محمد ملص:  “توفي والدي في الجامع، حسني الزعيم حبسه لأنه رفضه، وظل مقهورا إلى أن توفي.

وفي حديث عن المخرج الراحل نبيل المالح وصفه بأنه قامة سينمائية كبيرة .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى