دمشق ..مدينة أخرى
ثمة شعور بالخوف على دمشق يتملكني في السنوات الأخيرة إذ أرى أنها تفقد خصوصيتها كمدينة عريقة ذات جماليات متميزة بطابعها العمراني ومحيطها الأخضر الفسيح و ماء نهرها المتدفق . لم تكن رؤيتي هذه تعبيراً عن هواجس رومانسية ميلودرامية ذلك ما حصل – و يحصل – لم يكن إستجابة لقوانين التطور الزمني بقدر ما كان تجاوزاً لهذه القوانين و إنحرافاً عنها .
صحيح أن التغير سمة لا مهرب منها حيال الوجود الحي الذي يرافق التطور عادة غير أن إستعجال التطور يغدو مسخاً للوجود و تشويهاً للكائنات وهذا ما طرأ على دمشق إذ اصيبت بما يشبه التضخم السرطاني في السنين الستين الأخيرة إذ إرتفع عدد سكانها من 400 ألف ساكن إلى ما يقارب الستة ملايين و هي نسبة مريعة من التضخم الذي هو ظاهرة من الإستهلاك الأرعن و الواسع للأرض الزراعية حولها و حصول ما يشبه الميوعة في التوسع العمراني الأهوج على مداخل المدينة و خاصة ” الغوطة التي تحيط بدمشق” ، و أخطر هذه المضاعفات ما طرأ على تشويه البشر أنفسهم عبر تمزق العلاقات الإجتماعية الحميمية و تردي القيم الأخلاقية و غزو الغوطة الخضراء بالعمران السريع المرتجل والموحش الغريب للأصالة الدمشقية اللطيفة .
دمشق أقدم مدينة في التاريخ تفقد الكثير من شخصيتها المتميزة لكن هذا العدوان العمراني الذي لا يحترم – كما في المدن الكبرى عالميا – نوع العمران و العادات و التطور السكاني المدروس بشكل لا إعتداء فيه على الحارات القديمة العريقة في الزمن والتقارب الوجداني لسكانها القدامى في عاداتهم و نكهة الطابع الصافي الخاص لسكانها.
هيهات..هيهات .. لقد إختفى نهر بردى الذي كان يزين بفروعه شوارع دمشق و حاراتها والكثير من بيوتها الدمشقية العريقة بوصوله إلى بساتين الغوطة الخضراء، ليتحول إلى مجرى قذر للنفايات بعد أن إلتهمت الزيادة السكانية مياهه ، و بالتالي بدأت الغوطة نفسها تتراجع بعد هجوم السكن البشري و الصراع الهمجي بين السلطات المتحكمة و لم تعد دمشق هي فعلا دمشق المدينة التاريخية العريقة و بدأت تفقد طابعها التاريخي الجميل و المجيد إلى مدينة ضائعة.
إنها ليست بدمشق التي نعرفها و نحبها و هي تتحول إلى مدينة أخرى مليئة بالفوضى و القسوة و الخراب المدني الأخلاقي ..!!..