رد الولايات المتحدة في منتهى الأهمية في ظل تعثر الأردن (ديفيد شينكر)

ديفيد شينكر

"يجب على واشنطن العمل بشكل وثيق مع عمان وتوفير بدائل للتغيرات الطائشة التي سيدعو إليها البعض كوسيلة لاستباق الموجة السياسية العاتية في المنطقة."
 
في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر وافق العاهل الأردني الملك عبد الله على قانون جديد مُقيِّد للإعلام بعد أسبوعين فقط من تنفيذ زيادات أسعار الوقود على صعيد البلاد ثم إلغائها بعد ذلك بفترة وجيزة. وقد جاء هذا الارتفاع غير الحكيم للأسعار والاحتجاجات الواسعة التي تسبب فيها ومبادرة القصر الملكي الأخيرة لتشديد الرقابة على الإنترنت في وقت حساس تمر به المملكة. فبالإضافة إلى اللاجئين والضغوط الأمنية المرتبطة بالأزمة السورية تعرض الأردن للإجهاد بفعل المظاهرات منذ كانون الاول/ديسمبر 2011 بسبب الخطى البطيئة للإصلاح السياسي والفساد المستشري والاقتصاد العليل. وعلى الرغم من أن إعادة دعم الوقود إرجاعه وإلى سابق عهده ربما تخفف مؤقتاً من غيظ الشعب إلا أن قانون الإعلام سوف يُضاف إلى قائمة المظالم الشعبية المتزايدة مما يزيد من تعقيد جهود العاهل الأردني للحفاظ على الاستقرار.

الخلفية
على مدى العام ونصف الماضي أصبحت الاحتجاجات هي الملمح السائد في الحياة السياسية في الأردن. وخلافاً لما حدث في تونس ومصر، حيث طالب المتظاهرون إنهاء الأنظمة الاستبدادية التي لا تحظى بشعبية، ركزت الاحتجاجات الأردنية إلى حد كبير على الإصلاح الانتخابي والمساءلة الرسمية والإغاثة الاقتصادية وإن كانت هناك بعض الانتقادات للنظام الملكي.
وفي الأشهر الأولى من الانتفاضات التي عمت أرجاء العالم العربي كان الملك عبد الله قادراً على التخفيف من زخم الحركة بإقالة حكومته والإنفاق بسخاء والشروع في الإصلاح الدستوري الحقيقي. وقد نالت التغييرات في ميثاق المملكة قبولاً شعبياً وتم اعتبارها خطوة أولى إيجابية. لكن عندما توقف العاهل الأردني فجأة عن الإصلاح الانتخابي زادت الاحتجاجات بصورة أكثر وظهر ائتلاف حديث التولد من المعارضة يمثله أردنيون فلسطينيون محرومون تاريخياً وإسلاميون من جماعة «الإخوان المسلمين» تعرضوا لضغوط سياسية، وبدأ أردنيو الضفة الشرقية (البدو) الذين اعتادوا على موالاة الملك في الظهور.

 توقف الإصلاح السياسي
 إذا تم تنحية الخلافات على أسعار الوقود ووضعها جانباً نجد أن قانون الانتخابات ما يزال مصدر الفوران السياسي الأكبر في الأردن هذه الأيام. ومنذ عام 1993 تطبق المملكة قانون "صوت واحد لناخب واحد" في الدوائر متعددة الناخبين، وهو ما يُضعف الأداء الانتخابي للإسلاميين. وفي الوقت نفسه فإن نظام التقسيم التحكمي المتطور الذي طبقته الحكومة – والذي يحابي الدوائر الانتخابية الموالية للملك بمنحها فرصة تمثيل أكبر – قد حدَّ من عدد الفلسطينيين في البرلمان وأعاق تطوير الأحزاب السياسية وضمن مزيداً من التمثيل للتشريعات التي هي في صالح القصر بوجه عام.
 وقد استجاب الملك هذا الصيف للاحتجاجات بقيامه بتوجيه البرلمان لكتابة قانون انتخابي جديد يَعِدُ بالجمع بين النظام الحالي والتصويت على قائمة على الصعيد الوطني. وقد بدا المحتجون في البداية متفائلين بأن رئيس الوزراء الجديد ذو التوجه الإصلاحي عون الخصاونة سوف يحقق هذا الحل الاسترضائي. غير أن ما تم تمريره في تموز/يوليو قد سبب خيبة أمل حيث أن مكون القائمة القومي النطاق قد أضاف سبعة وعشرين مقعداً فقط لمجلس تشريعي موسع يضم مائة وأربعين مقعداً. كما سُمح لأعضاء القوى الموالية للقصر وقوى الاستخبارات والأمن بالتصويت للمرة الأولى. ويبدو أن الخصاونة قد استاء من هذا التدخل من جانب القصر فقدم استقالته منتقداً علناً القانون الجديد وناعياً لصحيفة "الغد" الأردنية أنه عندما أصبح رئيساً للوزراء "ظن أن الفرصة كانت سانحة للقيام بإصلاح حقيقي."
 وكما كان متوقعاً رد «الإخوان المسلمون» على التغييرات بإعلانهم بأنهم سيقاطعون الانتخابات البرلمانية المقررة لكانون الأول/ديسمبر. وحيث وُصف قرار تجنب الإصلاح السياسي بأنه "سوء تقدير" قال نائب المرشد العام لـ «الإخوان المسلمين» زكي بني أرشيد لصحيفة "الشرق الأوسط" ذات الأخبار العربية الشاملة إن الملك قد "وضع البلاد بالفعل في أزمة حقيقية جداً." ولاحقاً أرسل 400 سياسي بارز وشخصيات من المجتمع المدني في الأردن التماساً إلى الملك عبد الله يحثونه على تأجيل التصويت المقرر لكانون الاول/ديسمبر لمنع "فشل الانتخابات" بسبب قلة نسبة المشاركة. ومع هذا فبعد ذلك بقليل أعلن خليفة الخصاونة وهو فايز الطراونة من على شاشات التلفزيون بأن الانتخابات لن تؤجل وأنه لن يتم اتخاذ أية تعديلات إضافية للقانون الانتخابي.

عاصفة اقتصادية مثالية
 تفاقم السخط السياسي بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة حيث أدت الاضطرابات في سوريا إلى دخول ما يقرب من مائة ألف لاجئ إلى الأردن مما فرض تكاليف مالية باهظة وتحميلاً على موارد الدولة الطبيعية النادرة بالفعل – وخاصة المياه في مدينة المفرق الجافة، بالقرب من مخيم "الزعتري" للاجئين السوريين الآخذ في الاتساع. وفي الوقت نفسه فإن التطورات الإقليمية قد أخافت السياح فأبعدتهم عن المملكة مما قوض من الاقتصاد الضعيف بالفعل وزاد في معدل بطالة الشباب المرتفع (حوالي 30 في المائة حالياً).
 بل والأكثر إيذاءاً كانت هي الهجمات المتكررة على خط أنابيب الغاز الطبيعي في سيناء مما خفض من إمداد الغاز الرخيص إلى الأردن وأجبر عمان على شراء السلعة باهظة الثمن في السوق المفتوح. ومما جعل الأمور أكثر سوءاً أن الملك عبد الله اضطر إلى زيادة الرواتب الشهرية الحكومية بنسبة 28 دولاراً في العام الماضي لكي يتوافق ذلك مع ارتفاع أسعار السلع. وعلى سبيل المثال في استطلاع جرى مؤخراً قال 76 بالمائة من الأردنيين إن رواتبهم لا تتماشى مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
 وحيث انخفضت إيرادات الدولة وزادت النفقات فمن المتوقع أن يصل عجز الموازنة في الأردن هذا العام إلى ما يقرب من ثلاثة مليارات دولارات. وفي 2011 كانت منحة السعودية البالغة 1.4 مليار دولار قد أراحت عمان وأبقتها قادرة على سداد ديونها، لكن بدون انتظام هذه المبالغ الضخمة سيظل العاهل الأردني يتحرك في محيط ضيق – تم تخصيص أكثر من 80 في المائة من ميزانية هذا العام البالغة 9.6 مليار دولار لرواتب موظفي الحكومة. وللمساعدة على تفادي العاصفة قام الملك عبد الله بتأمين ملياري دولار في شكل قرض من "صندوق النقد الدولي" من المقرر صرفها في كانون الأول/ديسمبر. وفي البداية جعل "صندوق النقد الدولي" زيادة أسعار الوقود مؤخراً شرطاً مسبقاً لأي تمويل معتبراً إياها إصلاحاً ضرورياً. ومع ذلك فنظراً للتعاطف الدولي مع الأردن فإن إعادة الملك عبد الله للدعم إلى سابق عهده من غير المرجح أن يؤثر على صرف القرض.
 
أخطاء تلقائية
 على الرغم من التراجع السريع عن قرار رفع أسعار الوقود من جانب القصر الملكي، إلا أن هذه الخطوة قد تكلف العاهل الأردني تعيين رئيس وزراء جديد حيث وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة وصلت شعبية الطراونة إلى أدنى مستوياتها بالنسبة لرئيس وزراء منذ فترة حكومة الكباريتي قبل ستة عشر عاماً. وقد أظهر الطراونة – الذي هو من أشد الموالين للقصر وعمل مستشاراً لكل من الملك عبد الله ووالده الراحل الملك حسين – خبرة في النجاة في وقت الأزمات. ولو تم إجباره على ترك منصبه فستكون هذه بلا شك خسارة ثقيلة وغير ضرورية.
 كما أن طريقة إدارة عمان لعملية الإصلاح الانتخابي قد فاقمت الأزمة أيضاً. فبدلاً من تقديم مقاعد كافية لنظام القائمة الوطنية الجديدة لاسترضاء المعارضة الإسلامية – التي تمثل الفصيل الرئيسي – بكتلة برلمانية معقولة، نكص القصر على عقبيه. وتاريخياً كانت معارضة النظام الملكي للإصلاح الانتخابي قد استفزت رداً شعبياً ضعيفاً، لكن وسط أجواء الانتفاضات العربية يبدو هذا النهج غير حكيم.
 كما من المؤكد أن تشريع الإعلام الذي صادق عليه الملك هذا الأسبوع سوف يؤجج أيضاً مشاعر الاستياء. وحيث يتردد أن الهدف منه هو الحدُّ من المواد الإباحية على الإنترنت إلا أن القانون يتضمن فقرات خاصة بالسيطرة على مواقع يديرها مواطنون أردنيون لإخضاعها لنفس معايير الصحف المنشورة والموزعة في الأردن وخاصة فيما يخص "جريمة" إهانة الذات الملكية المنتشرة بشكل متزايد. وبأخذها جميعاً بنظر الاعتبار نجد أن هذه الأخطاء الواضحة من قبل القصر قد ولَّدت إشاعة مستبعدة في الأردن مفادها أن الأمير حسن، الذي شغل منصب ولي العهد لفترة طويلة في زمن شقيقه الملك حسين، سيتم تعيينه قريباً رئيساً للوزراء خلفاً للطراونة.

دور واشنطن
 بعد مرور ما يقرب من عامين على اندلاع الانتفاضات التي اكتسحت منطقة الشرق الأوسط تتضاءل على نحو متزايد الحكومات الموالية للولايات المتحدة التي يمكن الاعتماد عليها في هذا المنطقة كالأردن. وليست هناك ضمانة أن استقرار المملكة الضعيف – وتوجهها الاستراتيجي الموالي للولايات المتحدة – سوف يواصل الصمود. فمنذ 2010 ومنظمة «بيت الحرية» الأمريكية المعروفة بأسم «فريدم هاوس» تصف الأردن بأنه "ليس حراً" وهو وصف خطير بالنظر إلى الحراك الإقليمي الجديد. وحيث يتهم الأردنيون علناً العائلة المالكة بالابتزاز ويتظاهرون ضد القانون الانتخابي الجديد في محافظة الكرك التي تعتبر معقل النظام الملكي، يجب على واشنطن أن تجد مساحة في تصورها الشرق أوسطي الكامل للتركيز على التحديات الملحة التي تواجه الاستقرار الداخلي لدى هذا الشريك الإقليمي الرئيسي.
 وفيما يخص المساعدة المالية المباشرة تقوم الإدارة الأمريكية بالفعل بدورها المطلوب. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وقعت واشنطن اتفاقية تزود عمان بمائة مليون دولار إضافية كمساعدة مما يجعل إجمالي المنح الأمريكية في عام 2012 حوالي 477 مليون دولار. ورغم أن هذا المبلغ – الذي يتضمن 284 مليون دولار لدعم الميزانية المترنحة في المملكة – يُعتبر ضخماً بالنسبة لبلد يزيد عدد سكانه قليلاً عن ستة ملايين نسمة إلا أنه ليس كافياً لمساعدة الأردنيين على الصمود في وجه العاصفة الإقليمية. إن الدعم الأمريكي المستمر للتمويل السعودي المكمل ربما يساعد [في إحتواء الأزمة الاقتصادية]، لكن ينبغي فعل المزيد.
 وبصرف النظر عن التمويل، لعل أهم مساهمة تستطيع الإدارة الأمريكية تقديمها هي توجيه رسالة ثابتة تتميز بالوضوح والالتزام بالإصلاح التدريجي والطموح في ذات الوقت الذي يجعل الأردن أكثر انفتاحاً وتمثيلاً وشفافية – على ألا يتحول تأثير ذلك لصالح «الإخوان المسلمين». فمن المرجح أن يكون للتغييرات الجارية في سوريا ومصر تأثير سلبي هائل على الأردن والمصالح الأمريكية هناك. لذا ينبغي على واشنطن العمل بشكل وثيق وتعاوني مع قادة المملكة لتوفير بدائل للتغييرات الطائشة التي سيدعو البعض إليها كسبيل لتفادي الموجة السياسية العاتية في المنطقة

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى