كتب

رونالد وينتروب: لا تؤمنوا أبدا بدكتاتور يبدو عطوفا

محمد الحمامصي

رونالد وينتروب: لا تؤمنوا أبدا بدكتاتور يبدو عطوفا…لماذا اغتيل يوليوس قصير؟ ولماذا استقرت بعض الديكتاتوريات زمنا طويلا كما في الاتحاد السوفيتي والصين وكوبا وإيران، بينما تعرض بعضها لعدم الاستقرار، وعاش فترة قصيرة جدا مثل العديد من الأنظمة في أفريقيا وأميركا اللاتينية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؟ ولماذا انهارت كل الأنظمة في جنوب أفريقيا والاتحاد السوفيتي السابق؟

على نفس درجة الأهمية يتابع رونالد وينتروب أستاذ الاقتصاد في جامعة ويسترن أونتاريو في كتابه “الاقتصاد السياسي للدكتاتورية” طرح أسئلة تشكل مفتتح تحليلاته الخاصة بالجوانب المختلفة لسلوك الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، حيث حقوق الناس في اختيار من وكيف يحكمون، تم إجهاضها عن طريق الحاكم، والأدوات التي يستخدمها الديكتاتوريون للبقاء.

يقول “لماذا لم تنهار في وقت أسبق من الزمن عما حدث؟ ولماذا زاد نمو بعض البلدان، مثل: كوريا الجنوبية والصين وشيلي بسرعة كبيرة في السنوات القريبة الماضية؟ هل كانت الديكتاتورية السياسية تعتبر عاملا جيدا للنمو الاقتصادي؟ ولماذا بعض الأنظمة مثل روسيا في عهد ستالين وألمانيا الهتلرية وشيلي في عهد بينوشيه بالغة القمع، بينما كان بعضها الآخر أقل قمعا؟ ولماذا مرت بعض الأنظمة بفترات من التراخي، حيث كان مستوى القمع أقل حدة لفترة مؤقتة؟ أو هل مكث بعض الحكام الدكتاتورية، مثل فيدل كاستروا في كوبا أو صدام حسين في العراق في مناصبهم طويلا بسبب قدرتهم على قمع شعوبهم، أم لأنهم كانوا يتمتعون بالشعبية؟”.

ويرى وينتروب في كتابه الصادر عن المركز القومي للترجمة أن معضلة الديكتاتور تأتي من حقيقة أن استخدام سلطته لتهديد الناس أكثر خوفا من عدم أمانه في منصبه، ومع ازدياد تهديد الناس يصبح الناس أكثر خوفا من الجهر بالقول أو فعل أي شئ قد لا يسر الحاكم. والنتيجة أنه كلما قلت معرفة الدكتاتور بما يفكر فيه الناس أو يخططون له، ازداد السبب في خوفه من الناس، وعلى الجانب إذا أمكن لأتباعه إقناعه بدعمهم له حينئذ لن يكون هناك داع للخوف منهم، بناء عليه ليس عليهم الخوف منه.

وتعبيرا عن ذلك في ضوء نظرية الاختيار الرشيد، فإن الدكتاتور وأتباعه تنشأ لديهم مشكلة المصدقية كإشارة بالدعم أو الثقة فيما بينهما. وقد ناقشت عددا من الأساليب عن السبب في أهمية تلك المشكلة لأتباع الديكتاتور ينتج عنه قمع جائر ستالين هو النموذج الكلاسيكي الحديث.

ويستخدم وينتروب الأدوات الأساسية من النظرية الاقتصادية، لبناء نموذج بسيط للسلوك السياسي للدكتاتورية. وقد تناول حالتين متطرفتين: ديكتاتورية القمع الناعم والتي تعرف بالدكتاتورية التي يرغب فيها القائد في تقليل تكلفة بقائه في الحكم، ليجمع مكافآت هذه السلطة، والدكتاتورية الشمولية والتي تعرف بتلك التي يحقق فيها القائد أقصى قدر من السلطة على الشعب.

وقد اشتقت بعض التنبؤات الحديثة، فمثلا التحسن في الأداء الاقتصادي أو أي نوع آخر من الأداء ينتج عنه أن ديكتاتور القمع الناس سيخفض من مدى عمليات القمع على الشعب. أما الدكتاتور الشمولي، فيميل إلى التجاوب بزيادة عمليات القمع.

ويشرح النموذج أيضا لماذا تميل حياة الدكتاتوريات العسكرية أن تكون قصيرة (نوعية فرعية من ديكتاتورية القمع الناعم) ولماذا تسلم السلطة طواعية لنظام مدني؟، مثل: استمرار حالات القصور في الموراد في النظام للطبيعة السوفيتية، وتفضيل قاتها للنمو الاقتصادي وهيكل نظام الحزب الشمولي.

ويضرب أمثلة تبين بعض الطرق التي يمكن بها استخدام السلطة السياسية الأوتوقراطية لتحسين كفاءة الاقتصاد. وتستطيع تلك السلطة الأوتوقراطية أن تفعل ذلك بتوفير الحوافز بطريقة ناجحة في شكل ريع لقوى العمل، لكي يتبنوا سلوكيات الولاء والانضباط. ومن ناحية أخرى ـ أحيانا ـ ما تفشل آليات هذا الهدف، فآليات الديكتاتورية ما زالت تنثر الريع، ولكن ذلك لا يخدم أهداف الديكتاتور ويتعثر الاقتصاد، فمثلا: وبافتراض أن الحزب “سادة الفساد” بطريقة ما لدرجة أن الوظائف كانت تقدم مقابل الحصول على رشاوى أكثر من الحصول على الولاء السياسي.

ويقترح وينتروب من وجهة نظر اقتصادية أن الاهتمام الأساسي بالنسٍبة للنظم الديكتاتورية هو إمكانية أن تكون الأشكال الأوتوقراطية للنظام الاقتصادي فيها قد تفوقت على تلك التي كانت في النظم الديمقراطية، فيما يتعلق بتشجيع النمو الاقتصادي وكفاءة الاقتصاد. وقد كان هذا الاعتقاد كابوسا يتكرر منذ بداية القرن العشرين بالخوف من الشيوعية كنظام اقتصادي متبوع بالإعجاب والخوف من طاغوت هتلر في الثلاثينيات وامتداد ذلك في السنوات الأخيرة إلى التهديد من قبل المؤسسات اليابانية والقيم الآسيوية، وكوريا الجنوبية وشيلي، والآن السوق الحرة للشيوعية في الصين.

ويتابع: إذا رجعنا إلى النظريات الاقتصادية المعاصرة للنظم الأوتوقراطية من أجل توضيح مصادر هذا الخوف، سنجد قليلا جدا من المناقشات لهذه المشكلة من وجهة النظر هذه. وقد لخصت أربعة أنواع من النماذج التي وجدت في الأدبيات العلمية للدكتاتورية كإعادة أنواع من النماذج “حكم اللصوص”، وكعمليات قمع لإعادة التوزيع “السطوية الرأسمالية“، وكاقتصاد الأوامر، واقتصاد الظل.

والنوع الثاني فقط، وهو الدكتاتورية كعمليات قمع لإعادة التوزيع هو الذي تناول هذا الأمر، ولا تلعب الديكتاتورية فيه أي دور اقتصادي، ولكن مجرد أنها تنقذ الاقتصاد من سياسات التدمير للمشروعات الكبرى السياسية والتي يزعم بأنها من خواص الديمقراطية.

ومع ذلك، فإن النظرية المعاصرة للاقتصاد تمدنا فعلا على الأقل بآلية واحدة عن طريقها تستطيع الدكتاتورية أن تؤثر في طريقة عمل السوق ـ من خلال مقدراتها على قوة عمالة موالية ومنضبطة – (كالتي نوقشت في النماذج المعاصرة لكفاءة الأجور). وقد أوضحت كيفية تكييف هذا النموذج لتطوير اقتصاد سياسي مرتقب يصور كيف أن الدكتاتورية السياسية والاقتصاد يؤثر كل منهما في الآخر.

ويشير وينتروب إلى أن الاختلاف الأساسي بين الاتحاد السوفيتي والصين لم يكن الإصلاح تدريجيا في حالة، وزاد في حالة أخرى، فالإصلاح التدريجي كان متبعا في كل من الاتحاد السوفيتي في عهد جورباتشوف وفي الصين في عهد دينغ. وكان الاختلاف الأساسي هو أن الإصلاح في الصين كان مصحوبا بالحفاظ على القمع السياسي، وإمكانية تكثيف عمليات القمع السياسي بينما تراخت عمليات القمع في الاتحاد السوفيتي، علاوة على ذلك فقد قامت الصين بعمليات قمع واسعة النطاق قبل المبادرات بإصلاح السوق.

ويحلل وينتروب ثلاث مشكلات حرجة صاحبت عملية التحول، وهي: سيطرة المديرين، والانحراف عن المسار المألوف لعرض السلع والخدمات والتضخم.

وبين أن السيطرة السياسية المحكمة كانت ضرورية لحل المشكلات الثلاث، فمن خلال القمع أجرت الصين بنجاح ما أطلق عليه التحول الشمولي المفاجئ ويعني ذلك التخلي عن السيطرة والخدمات الرسمية على المؤسسات، ونتيجة لذلك استطاع قادة هذه الشركات أن يجعلوا شركاتهم أكثر كفاءة، وما استتبعه ذلك من استمرار النمو الاقتصادي، وازدياد إيرادات الدولة. أما في الاتحاد السوفيتي السابق، فإن محاولة القيام بنفس العملية الحساسة بدون التخدير الناشئ عن عمليات القمع، نتج عنها انهيار في إيرادات الحكومة وهبوط مفاجئ في حجم التضخم الجامح وتفكك نظام الدولة.

ويلفت إلى أنه بالنظر إلى النظم الشمولية أو الطغيانية والتي تعرف بأنها نظم يهتم حكامها ليس بالاستهلاك ولكن بالسلطة، فهل تجب للتجارة معها أو معونتها؟ مرة أخرى، إذا افتراضنا أنه نتيجة للمعونات أو اتفاقيات التجارة يتحسن النمو الاقتصادي. هذا النمو يعطي الحاكم الفرصة لكي يراكم سلطة أكثر، ولما كانت السلطة هي كل ما يجنيه، فهو يتصرف بنفس الطريقة التي ينتهزها رجل أعمال غني لتكوين ثروة أكبر، لذا بالنسبة إليه ليست ضائعة فقط، ولكن أيضا ذات نتيجة عكسية، لأن عمليات القمع تزداد عندما يتحسن الاقتصاد. ذلك هو ما حدث في ظل كل من عهد هتلر وستالين، فكلما زادت شعبيتهما انتهزا هذه الفرص أكثر لتحجيم كل من عناصر السكان الذين يكون ولاؤهم غير مؤكد، وبنفس الطريق لم تنتج عن النمو الهائل في الصين أدنى درجة من الاسترخاء في مستوى عمليات القمع.

ويوضح وينتروب قد يبدو واضحا أننا لن نعطي معونة لهذه النظم، لأن أموال المعونة ستنفق على تراكم سلطة أكثر على الشعب بما في ذلك قمعهم، ولكن مرة أخرى إذا ما ارتبطت المعونات بقيود على حقوق الإنسان والتي تصبح أكثر صرامة بمرور الوقت، فستعمل تلك السياسة في اتجاهها الصحيح، فإذا تحسن الاقتصاد نتيجة المعونة أو التجارة فسيزيد التدعيم، ويمكن للحكام تخفيف عمليات القمع، وسيظل لديهم نفس مستوى السلطة كما كان من قبل. وقيود ملاحظة حقوق الإنسان ضرورية للغاية، إذا كان ذلك يؤدي إلى تخفيض عمليات القمع وليس إلى زيادتها. وبالطبع فإن كثيرا من هذه النظم قوية جدا لدرجة أنه من الصعب التعامل معهم بهذه الطريقة.

وفي تلك الحالات قد يوصي باتباع سياسات العقوبات، ولكن العقوبات ليست عكس المعونات تماما، فهي لا تعطي النظام أي فرصة للتحرر وقد يقاومها الدكتاتور. وفي ظل بعض الظروف قد تشتد علميات القمع، وقد تحفز بشكل مباعد التأييد الوطني للدكتاتور وتقوي نظامه، وقد تعزل النظام عن النفوذ الغربي. ويتطلب استخدامها تنسيقا للسياسة بين الأمم الغربية، لأن رجال الأعمال من الدول الأخرى يريدون التحرك لانتهاز تلك الفرص التي أتاحتها العقوبات واتفاقيات التجارة والمعونة لا تصاحبها مثل هذه المشكلات.

وفي ضوء ذلك يقدم وينتروب دليلا مبسطا “معيار موحد” للسياسات التي يجب أن تتبعها الحكومات الأجنبية التي تهتم بتخفيض عمليات القمع، وهو أن تجعل مراقبة حقوق الإنسان حجر الزاوية للسياسة الغربية. ومن المتوقع أن تنتج اتفاقيات التجارة أو المعونة لأي نظام تأثيرات مفيدة بشرط أن تصاحبها قيود مراقبة طويلة الأجل لحقوق الإنسان والتي تصبح أكثر صرامة بمرور الوقت، وليس من المهم إذا كانت هذه النظم قد صنفت بدقة أم لا لأهداف سياسية؛ لأن السياسة هي دائما نفس الشئ. وبدون معايير حقوق الإنسان، فإن المعونات أو اتفاقيات التجارة قد تكون غير فعالة وغالبا تكون عكسية.

ويخلص وينتروب إلى أن النظم الديمقراطية لا يجب أن تثق أبدا في ديكتاتورية شمولية مصلحة، فإذا تحسن الاقتصاد، فإن الحافز لدى الديكتاتور هو زيادة وليس نقصان عمليات القمع، ولا يجب أن يؤمنوا أبدا بدكتاتور يبدو عطوفا، فالطريقة لمعرفة ما إذا كان حقا عطوفا، هي فحص مستويات عمليات القمع في النظام، فإذا كانت مرتفعة فإنه طاغية متنكر كدكتاتور قمع ناعم وهو تنكر شائع. ويقدم معظم الدكتاتوريات هدايا لشعوبهم، وبعضهم يتظاهر بأنه الأب لشعبه. وإذا كانوا حقا محسنين، فلن يستمروا في الحكم.

 

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى