تاريخ

سيرة الحكم في لبنان في سيرة صائب سلام [14]

لا يزال حديثنا هنا عن مذكّرات صائب سلام التي صدرت حديثاً في ثلاثة أجزاء بعنوان: «صائب سلام: أحداث وذكريات». وقلتُ من قبل إن الأجزاء الثلاثة هي يوميّات دوّنها صائب ونشرتها العائلة كما هي من دون تصحيح أو تنقيح أو تحرير، مع أنها تنقل صورة معبّرة عن مكنونات صائب سلام وتفكيره في محطات تاريخيّة هامّة شاركَ هو في صنعِ بعضها. وتضمّنت اليوميّات في الجزء الثالث بعض ما جاء في أحاديث صائب مع الصحافي شكري نصرالله في سنوات إقامته في جنيف.

ويساورُ صائب قلقٌ شديد من نيّة حافظ الأسد التخلّص منه ووصلته معلومات بهذا الشأن من مصادر مختلفة، بما فيها رضوان السيّد الذي—حسب يوميّات صائب—كان وثيق الصلة بسكرتير محمد غانم (ما حُكم المثقّف الذي يطمح في رحلة المعرفة أن يكون وثيقَ الصلة بمسؤول مخابراتي؟، ص. 857، ج2). وتخوّفُ صائب كان في محلّه. وهذه صفحة لم تُراجع في علاقة لبنان بالنظام السوري في عهد حافظ الأسد. كان النظام السوري يتخلّص من معارضيه من السوريّين واللبنانيّين والفلسطينيّين ببساطة شديدة. كيف يمكن لي—ومَن أنا—أن أغفر مثلاً أن النظام السوري قتل الشاعر والمناضل البعثي (الموالي لجناح العراق) موسى شعيب؟ وخوف صائب جاء في سياق تعذيب واغتيال سليم اللوزي في بيروت. وعندها، اضطرّ صائب إلى مغادرة بيروت إلى جنيف. وفاتحَ وليد جنبلاط سلام بمخاوفه من السوريّين (ص. 872، ج2).

ويرد في الحديث إشارة إلى الرجل الغامض، خليل أبو حمد، وهو كان محامياً معروفاً وكان وزيراً للخارجيّة في عهد سليمان فرنجيّة، وكان وثيق الصلة بالحكومة الأميركيّة في سنوات الحرب. وكان قليل الإطلالات الإعلاميّة من دون أن يبتعد عن السياسة في سنواته خارج الحكم. وخليل أبو حمد هو الذي دبّرَ التعارف بين بشير الجميّل وإدارة ريغان لأنه كان—باعتراف رفاق بشير—وثيق الصلة بويليام كيسي، الذي عيّنه ريغان مديراً للمخابرات المركزيّة. وغاب خليل أبو حمد عن السمع لعقود قبل أن يطلّ في عام 1986 كي يؤيّد الاتفاق الثلاثي الطائفي والذي رعاه النظام السوري مع استبعاد للسنّة عنه (كان الاتفاق تفاهماً بين إيلي حبيقة ونبيه برّي ووليد جنبلاط وعدد من المسيحيّين بمن فيهم فؤاد بطرس الذي يريدنا أن ننسى حضوره). وخليل أبو حمد نقل إلى صائب طلباً من سركيس لتأليف وزارة. أمّا كميل شمعون، فنقل إليه مبادرة من نوع آخر: صرّح شمعون عبر مبعوث بعدائه للكتائب وهو طلبَ التعاون من سلام. وقال سلام إن شمعون فاوض السفير السعودي علي الشاعر للحصول على مبلغ خمسة ملايين ليرة «ليقف في وجه الكتائب»، وطلب شمعون مساعدة سلام في هذا الشأن (ص. 879، ج2–الطريف في طلب شمعون أن الكتائب كان تتلقّى هي الأخرى تمويلاً من السعوديّة). هذه هي السياسة اللبنانيّة على حقيقتها: من وليد جنبلاط إلى كميل شمعون، ساسة يعرضون أنفسهم للإيجار أمام السفير السعودي في لبنان. ما أشبه الأمس باليوم. وصائب ممتعض، كالعادة، من شحّ التمويل السعودي له لكنّ السفير علي الشاعر طمأنه بأنه سيمدّه بمساعدة ماليّة وأنه «لن يعود إلا ومعه ثلاثون مليون ليرة لـ»المدرسة المهنيّة» التي وعد بها الأمير فهد، وثلاثون أخرى مساعدة سنويّة للمقاصد» (ص. 979، ج2). لكن صائب تابع «الاتصال مع العراق»، وعاد تمّام من رحلة «وانطباعه أنها رحلة موفّقة للغاية». (ولم تكن العلاقة المستجدّة بين صائب ونظام صدّام حسين تروق للنظام السوري، وكانت هذه أحد أسباب امتعاض حافظ الأسد منه).

وزادت حدّة المواجهة والصراع بين «أمل» والمنظّمات الفلسطينيّة (طبعاً، في السرديّة اللبنانيّة الحاليّة، يُقحم اليساريّون المتقاعدون واليمينيّون في إعلام الخليج بحزب الله كأنه كان موجوداً في تلك الفترة). وصارح صائب سلام ياسر عرفات بأن «المسلم السنّي البيروتي وليس الشيعي الجنوبي وحده أصبح يكرههم أكثر مما يكره الإسرائيلي» (ص 880، ج2). ويقول صائب في موضع آخر: «المسلم في لبنان (في عام 1981) أصبح يكره الفلسطيني والسوري أكثر مما يكره الإسرائيلي والكتائبي رغم أنه يعادي الآخرين» (ص. 915، ج2). لكن هذا غير صحيح: بقيَ أهل بيروت في تلك الفترة على عدائهم للإسرائيليين فيما بدرَ عن شيعة الجنوب تعاطف أكيد مع العدوّ (وكنتُ شاهداً على ذلك في حينه، ولا يمكن إقناعي بتغيير انطباع لمسته لمس اليد واستهجنته وشعرت نحوه بالقرف الشديد). ويتحدّث صائب عن «الممارسات الشاذّة» من قبل المقاومة الفلسطينيّة وأحزاب الحركة الوطنية. وهذا لا يمكن إنكاره والممارسات هذه كانت من قبل لبنانيّين وفلسطينيّين على حد سواء. لكن يشطّ صائب كثيراً عندما يصف «القوى الوطنيّة» بأنها «ليست سوى فريق من ضعاف النفوس، يسيّرها المال منهم ومن بعض الدول العربيّة» (ص. 880، ج2). ولو، يا صائب. هناك المئات والآلاف من الذين انخرطوا في النضال، واستشهد كثيرون منهم من دون مقابل. الشهيد ظافر الخطيب سقط في مواجهة القوى الانعزاليّة ولم يكن يحلم إلا بإقامة نظام اشتراكي ثوري في لبنان. ويظهر في سرديّة صائب كيف أن ياسر عرفات أدرك أن الحركة الوطنيّة خسرت قواعدها الشعبيّة بحلول أواخر السبعينيّات فصار يلوذ بقوى الإسلام التقليدي طمعاً بمشروعية سياسيّة خسرها (ص. 881، ج2).

ويستمرّ صائب في التعريض بخصومه وأعدائه «على الماشي». يذكر المفتي حسن خالد ويضيف: «مسكين المفتي، هو والجماعة الذين يلوذون به، فهم يستحقّون الشفقة، ومن الخير أنه في الآونة الأخيرة راح يجنح إلى الصمت فلا يتورّط» (ص. 881، ج2). الطريف أن صائب يعيب على المفتي قربه من النظام السوري لكن سرديّة 14 آذار المتبكرة (والتي أعادت كتابة سيرة الحرب الأهليّة وفق مخيّلة بيار الجميّل وأبو أرز) تجعل من المفتي مناضلاً شرساً ضد النظام السوري. ويستمر ذكر وليد جنبلاط ومحاولاته اللعب على الحبال واتخاذ مواقف في السرّ بعكس المواقف المُعلنة. يقول صائب: «زارني وليد جنبلاط، وكان أبو عمار قد طالبني بأن أبقي الصلة معه لمحاولة استيعابه، فهو صعب وضائع، من جهة هو خائف من السوريّين وواقع تحت ذعرهم منذ مقتل والده، كما أنه لا يمكنه التخلّي عن الحركة الوطنيّة وهي إرث والده، وهو اليوم الزعيم الدرزي الوحيد تقريباً في الساحة، ومن جهة أخرى، فهو يحبّ العيش ولذّاته، كما تعوّدَ طيلة حياته، وكلّ واجباته اليوم هي ضدّ طبيعته» (ص. 883، ج2). وينقل صائب عن رجاء الشربجي أن «رفعت الأسد عاد من السعوديّة من سفرته الأخيرة بمساعدة لسوريا بلغت 641 مليون دولار، عدا هداياه الشخصيّة» لكن حالة من التوتّر سادت بين النظامين و«انفجر» الأمير سلمان أمام رجل الأعمال، فيصل أبو خضرا (مَوَّل مجلّة «المستقبل» في تلك الفترة) قائلاً: «إن كان السوريّون يريدون مخاصمتنا كما يبدو فنحن لها وعلى كامل الاستعداد» (ص. 891، ج2).

ويقول صائب إن السوريّين فكّروا في تكليف مالك سلام (شقيقه) رئيساً للوزراء «ويعتقدون أن ذلك ضدّي، بينما أنا أرحّب بذلك ولا أنكره» (ص. 895، ج2). كيف ترحّب بذلك وأنتَ لم تنفكّ عن تقريع شقيقك في اليوميّات ووصفته بأداة النظام السوري في لبنان؟ ويقول صائب في تلك الفترة عن النظام السوري ورؤساء الوزارة: «السوريّون على ما يبدو أصبح واضحاً أنهم لا يريدون في لبنان سوى عبيدٍ وعملاء أو مأجورين» (ص. 904، ج2). ثم تقول إنك لا تمانع في وصول مالك شقيقك إلى رئاسة الوزارة؟ وينقل صائب حديثاً بينه وبين كامل الأسعد في إيفيان (التي كان الأسعد يقصد نواديها في تلك الحقبة لبحث شؤون جنوب لبنان والعدوان الإسرائيلي عليه) وفيه يقول صائب: «ذكرتُ له أن الشيخ محمد مهدي شمس الدين قد تسلّم زمام القيادة لمنظمة «أمل» وأنه هو الذي يصرف عليها (بأموال من الخميني حسب تقدير العارفين) وأنه ينحو نحو التعصّب الشيعي المتطرّف» (ص. 895، ج2). الطريف أن بعض دعاة الدولة المدنيّة تحت مظلّة 14 آذار يستشهدون بمواقف شمس الدين على أنها نموذج للمدنيّة السياسيّة. وينقل صائب عن الأسعد أن رفيق شاهين ومحمود عمّار حاولا الضغط عليه «في سبيل إعلان العداء للفلسطينيّين والاتفاق مع الموارنة ضد السنّة لمحاربتهم» وقد ماشى كاظم الخليل النائبيْن في توجّههما (فاز رفيق شاهين في انتخابات النطبيّة الفرعيّة في عام 1974 مدعوماً من قبل موسى الصدر ضد مرشّح كامل الأسعد، ومحمود عمّار كان نائباً في كتلة شمعون، التي كان كاظم الخليل نائباً لرئيسها). والأخطر أن الأسعد أخبر صائب أن محمد مهدي شمس الدين كان في نفس موقف النوّاب الثلاثة لكن الأسعد شرح له خطأ هذه السياسة (ص. 896، ج2). وشمس الدين كان من أوّل الذين حملوا فزّاعة التوطين ضد الشعب الفلسطيني في لبنان، كما أنه دعم حكم أمين الجميّل ورفض إصدار فتوى الثورة عليه، كما ذكر نبيه برّي في كتاب نبيل هيثم «أسكن هذا الكتاب».

لا يذكر صائب أفراد عائلته إلا لماماً، لكنه في موقع يذكر شقيقتيْه، عنبرة ورشا ويقول: «وقد اغتنمتُ الزيارتيْن فقدّمتُ لكلّ من عنبرة ورشا خمسة آلاف ليرة لشعوري بحاجتهما. ولطالما كنتُ أكرّر ذلك في عيد أو مناسبة ما إذ كنتُ أشعر برضى نفسي كبير، كما أشعر بأن أبي وأمّي يرضيان عنّي فيه. وعلى كلٍّ فليس من لذّة في نظري ولا من نعمةٍ أكبر من لذّة العطاء ونعمة العطاء» (ص. 904، ج2). هل من اللائق، يا صائب، أن تذكر أنك قدّمت مبلغاً من المال إلى شقيقتيْك؟ وقد اصطكّت ركاب قادة الحركة الوطنيّة بحلول عام 1981، وأصبحوا يزورون صائب سلام سرّاً (ص. 909، ج2) بعد أن كانوا يتخصّصون في هجائه. والكلّ يرسل له أنهم مكرهون في مواقعهم. ويذكر مثلاً أن محمد قباني بات يميل نحوه، وقبّاني عاد وأيّد سليم الحصّ قبل أن يصل إلى رفيق الحريري ويصبح نائباً في كتلته وكتلة ابنه من بعده. معظم قادة الحركة الوطنيّة كانوا من هذه الطينة والحركة انهارت ليس بسبب مؤامرة خارجيّة من إيران أو من غيرها، بل لأن الناس نفروا منها ولأن فساد قادتها جعلهم عرضةً للبيع والشراء.

لكن صائب بات منحازاً ضد الفريق الفلسطيني والسوري والمتحالفين معه. هو مثلاً لا يصدّق أن الكتائب كانت مسؤولة مباشرة عن إشعال معركة زحلة. هو على يقين أن النظام السوري أشعلها (ص. 916، ج2). لكن هذا غير صحيح إطلاقاً. نحن نعلم اليوم علم اليقين (ومن مراجع غربيّة وإسرائيليّة) أن بشير الجميّل أشعل معركة زحلة لأنه استعجل في طلب تدخّل عسكري إسرائيلي بعد وصول الليكود إلى الحكم في إسرائيل. وبلغ من انحياز صائب أنه قال مجافياً الحقيقة: «ولا أريد أن أبرّئ الطرف الكتائبي من اشتراكه في هذا القصف الوحشي، ولكن للحقيقة والتاريخ أقرّ بأن البادئ كان في أكثر الأحيان، وأكاد أقول دائماً، هو من جانب المنطقة الغربيّة، أي رعاع ما يُسمّى الأحزاب والتنظيمات، وكلّها بتحريض سوري» (ص. 942، ج2). هنا يُشوِّش الحقد السياسي والشخصي الرؤية على صائب سلام، الذي ينسى أنه كانت هناك تنظيمات يمينيّة تخصّصت في إشعال الجبهات عندما تهدأ، وأعني هنا مثلاً ميليشيا «التنظيم» التي أنشأتها مخابرات الجيش اللبناني في عهد جول بستاني. كما أن الوثائق الأميركيّة تنقل أن كميل شمعون كان يشعل الحرب في عام 1975 لأنه استورد باخرة من الزجاج. ويبلغ اللين في موقف سلام من الانعزاليّين حداً يجعله يتهاون فيه مع تعامل بشير الجميّل مع إسرائيل، إذ يقول: «العقبة ليست عند «المقاومة اللبنانيّة» وتعاملها مع إسرائيل، فهذا يمكن تذليله» (ص. 947، ج2). قال صائب هذا الكلام قبل سنة الاجتياح الإسرائيلي للبنان والذي لعب فيه بشير الجميّل دور الأداة. بشير الجميّل مُشارك في حصار بيروت الغربيّة لكن صائب سلام يتساهل مع جرائمه بإيعاز سعودي، لأننا بتنا نعلم اليوم كم أن الحكومة السعوديّة كانت ترعى بشير الجميّل وأدوات إسرائيل في لبنان.

ويبدو أن وليد جنبلاط ماشاه في موقفه هذا في تلك الحقبة وكان جنبلاط يقترب رويداً رويداً—في السرّ لا في العلن—من بشير الجميّل. وتخصّص سمير فرنجيّة في نقل الرسائل بين بشير الجميّل وقادة «وطنيّين» في بيروت الغربيّة. ثم زاره أبو عمّار وأخبره عن لقاءاته في السعوديّة حيث التقى مع الأمراء فهد وعبدالله وسلطان وسعود وعلي الشاعر. ونقل له مشاعرهم نحوه «مع سلام خاصّ من الملك… وأنهم مصمّمون على دعمنا إسلاميّاً». لكن صائب كان قد ضاق ذرعاً بالوعود السعودية فقال: «فقلتُ لا أسمع إلا تعابير عاطفيّة ونوايا، ولكن ليست هنالك أي ترجمة عمليّة لذلك» (ص. 936، ج2). هل يمكن تصوّر صائب سلام الزعيم البيروتي وهو يعبّر عن امتعاضه من الموقف السعودي في العلن؟ لكن صائب يعود بعد صفحات قليلة ويقول: «قطرة من غيث تنعش الآمال. حمل إليّ اليوم السفير علي الشاعر هبة من المملكة العربيّة السعوديّة، شيكاً بقيمة ٣٠ مليون ليرة، مع تحيّات الملك خالد والأمير فهد ودعوة رسميّة لزيارة المملكة…فشكرتُ له وللمملكة هذه الهبة السخيّة» (ص. 939، ج2). ثم زار سلام السفير الشاعر وبعد الزيارة يقول: «أدليتُ بحديث شامل فيه إشادة بالشاعر والمملكة» (ص. 947، ج2).

ويتحدّث صائب مع السفير الأميركي الجديد، روبرت ديلون، ويقول له إن الأميركيّين في سياساتهم «يدفعون من يسمّونهم العرب المعتدلين والأصدقاء إلى أحضان اليسار والشيوعيّة» (ص. 949، ج2). ويحادث صائب السفيرَ الأميركي عن «الإرهاب الفلسطيني» وفي كلامه لم يكن يختلف عن كلام بيار الجميّل أو حكّام إسرائيل. يقول صائب: «السفير الأميركي تأثّر كثيراً بشيء جديد عليه، وهو أن الإرهاب الدولي أخذ يتمركز في لبنان وفي الأوساط الفلسطينيّة بالذات، وأن جميع من يُسمَّى إرهابيّاً في العالم أصبح يتدرّب ويتعاون مع الفلسطينيّين وعندهم وينطلق من لبنان…وأن كلّ هذا الإرهاب أخذ يضرب جذوره في لبنان وأن الأسطول السادس يمكنه أن يقهر دولة ما ولكنّه لا ولن يتمكّن من كبت هذا الإرهاب عندما يستشري» (ص 950، ج2). لكن ما الجديد على السفير في هذا الحديث؟ كانت البروباغندا الإسرائيلية والأميركيّة والكتائبيّة تقول نفس هذا الكلام وليس من جِدّة فيه أبداً. ويرمي صائب صفة الإرهاب على مصطفى سعد ويقول: «الإرهاب المسلّح الذي يمارسه مصطفى سعد» (ص. 951، ج2).

ويذكر صائب نوّاف سلام الذي كان يتردّد إليه في تلك الفترة. يقول: «وتغدّى عندي سمير فرنجيّة مع نوّاف سلام وقد أعجبني هذا الشاب (يتحدّث هنا عن فرنجيّة) الذي أراقبه من مدّة بعيدة وأنا أرغب في عشرة الشباب الواعي دائماً قالوا عنه كما قالوا عن نواف إنهما شيوعيّان، وهذا غير صحيح» (ص. 950، ج2). (وكان سمير فرنجية وثيق الصلة بالسفير السعودي، كما أخبرني خالد خضر آغا، رجل الأعمال والسياسي النافذ في تلك الفترة والذي أدارَ عمليّات المخابرات السعوديّة في زمن فيصل وفهد). ويقوم صائب بزيارة وليد جنبلاط وزوجته لتهنئتهما بزواجهما، ويقول عن الزيارة: «فاستقبلنا ببنطلون الجينز، وفوق هذا جاءت هي أيضاً بالجينز وكانا وحدهما! فالله الله على تغيّر الزمان، فأين اللياقة الدرزيّة وأين تقاليد الإمارة الدرزيّة؟ هي سنيّة من شركس الأردن، وقد ولّدَ ذلك بعض النفرة عند الدروز، وبقيادة شيخ العقل! وسأعاتب شيخ العقل على ذلك، فهو الذي لا يترك فرصة إلا وينادي فيها بأنه لا فرق بين المسلم والمسلم» (ص. 951، ج2).

زاد انزعاج صائب من أحاديث حليفه ريمون إده. يقول عنه: «يعيد القصص القديمة والاستشهادات ذاتها ليثبت نظريّاته السابقة التي يتمسّك بها، ولا ينظر إلا بمنظار أسود» (ص. 957، ج2). لا شكّ أن نظريّات إده عن الحرب كانت مكرّرة ورتيبة وغير علمية، وتربط كل التطوّرات بشخص وذهنيّة كيسنجر. كما أن ربطه للتطوّرات في العالم بالوضع اللبناني يذكّر بنظريّات فارس سعيد في العلاقات الدوليّة عندما يتهم الحرس الثوري الإيراني بتطيير مسيّرة في جبيل لتحسين الوضع التفاوضي للفريق الإيراني في فيينّا.

(يتبع)

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى