سيناريوهات الفورين بوليسي لقيادة العالم و الدوران في المكان!!

 

ينشغل الناس في كل مكان، بمخاطر الكورونا على الحياة البشرية، و وسط هذا الخوف الإنساني من الوباء و الموت يطلع علينا مجموعة محللين ليبحثوا ( قيادة العالم) حيث قدمت مجلة فورين بوليسي عدداً من السيناريوهات في مقالات لمجموعة من المحللين والسياسيين شغلت وسائل الإعلام وملأت الصحف و الشاشات، وتستحق المناقشة والمراجعة :

الملاحظة الفورية على هذه السيناريوهات أنها منشغلة بـ ( قيادة العالم) أي بـ ( حكم العالم والسيطرة عليه إقتصادياً و سياسياً) بينما الناس تعيش هاجس الإصابة بفيروس يهدد حياتهم. أي  أنها سيناريوهات كالسياسة لا تهتم بشكل جدي إلا بحكم العالم و السيطرة عليه.

والقاسم المشترك لهذه السيناريوهات أن معظمها يأتي تعبيراً عن مواقف إيديولوجية وسياسوية قديمة، و ليس فيها من بحث فكري إجتماعي إقتصادي تاريخي، يدرس الحقائق و يفهم الوقائع، و يستخلص بتجرد النتائج، أي أن هذه السيناريوهات تبقينا أسرى دوامة الإيدولوجيا والكتابات السياسوية المتسرعة عن المرحلة، والمتعالية على الحقائق.

دار الكثير من هذه السيناريوهات حول ( القيادة الأميركية) للعالم. وتوقع معظمها إنتقال هذه القيادة إلى الصين، واقتصرت الأفكار على (الإنتقال) و لم يفكر أياً منهم بإمكانية تحول( القيادة الأميركية) من قيادة إلى ( تحكم و سيطرة) أكثر عرياً و ديكتاتورية. فإذا كانت القيادة تعني وضع توجهات العالم فإن ( التحكم و السيطرة) يمكن أن تصبح ( الأمر و الفرض و الإكراه) العاري و الواضح. الأنكى من ذلك أن أحداً لم يفكر بتأثير هذا (التحكم و السيطرة) العارية حتى على الصين و قدراتها الاقتصادية، ولم ينتبه أي من هذه السيناريوهات إلى مخاطر ذلك.

إذا توقفنا عند الفكرة الأكثر وروداً في هذه السيناريوهات و هي انتقال( قيادة العالم) إلى الصين، فإننا سنجد أن أياً من هذه السيناريوهات لم يتوقف عند تأثير نظام الحكم في الصين، كقوة قائدة، على النظم الأخرى و على التعامل مع العالم والشعوب، فهل ستصبح الشمولية هي معيار الحكم الناجح والقوي؟ و هل ستلغى قيم الحرية الفردية لتحل محلها الطاعة والإنضباط؟؟

كثيرون أستخدموا هذه السيناريوهات كشماتة بأميركا والغرب و العولمة. و هكذا ينتقل إلى مستويات بعيدة عن التفكير السياسي الجدي والفاعل، في مواجهة السياسة الأمريكية المعادية للشعوب، وهذا الحال يصبح مسخرة لاتزانه مع خطر الكورونا المخبف، لأن المحللين يشمتون بأميركا و مصير عظمتها ناسين أن كل فرد منا مهدد بكورونا. و هل من مسخرة أن نلتهي عن معاني التهديد الوجودي للكورونا بالشماتة بإمكانية سقوط العظمة الأميركية. يا جماعة صحة كل فرد أولوية أعظم من عظمة أميركا ومن الشماتة فيها.

بالفعل، يواجه الإجتماع الإنساني تهديداً وجودياً بسبب كورونا، و هو التهديد الذي يضع النظام العالمي على المحك، ليفضح إدمانه للكنولوجيا، والإستثمار والربح والعولمة. كورونا فضيحة هذا النظام العالمي بكل وجوهه وأشكاله، فالإنسان فيه وصحته وبيئته على المحك وهي الأساس و ليس الربح وتراكم تريليونات الدخل القومي. فهل ينجح الإجتماع الإنساني عبر مفكريه بإبداع هذا الطريق نحو ( نظام عالمي) أساسه التشارك والتعاون لحفظ الحياة والحرية وتحقيق السعادة الإنسانية لكل فرد وكل بلد..؟؟ أم أننا سنبقى ندور بمثل سيناريوهات فورين بوليسي، التي قال فيها أحد الأساتذة الجامعيين أنها ( فاقدة لأي فكرة مبتكرة و مفيدة لمستقبل الإنسانية)؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى