بين قوسينكتاب الموقع

صراع البقاء …

صراع البقاء … كان وما زال أساس الصراعات المسلحة في العالم … التي يستعر لهيبها كلما زاد التخلف والفقر .. ويذكيها نار الطائفية والعنصرية .. وتستمر لسنوات تحصد البلد والبشر ..
ما يزال وطننا العربي يرزح تحت سطوة هذا الشكل من الصراع، الذي يعمل على تفتيت المجتمع العربي الى مكونات متناحرة ، يأخذ التعامل بينها منحى عنفي مسلح، ينحصر داخل الدولة الواحدة لأسباب كلها تلتقي على فكرة ( عنصرية طائفية ) .. فما يحدث اليوم في اليمن بين تنظيم القاعدة والسلطة من جهة وبين السلطة والحوثيين من جهة أخرى ، وفي الصومال بين الجماعات الاسلامية المتطرفة وقوات النظام .. وفي السودان بين جنوبه وشماله واقليم دارفور .. وفي العراق بين الشيعة والسنة والأكراد.. وفي فلسطين بين جماعة حماس المتشددة وجماعة فتح .. وفي البحرين بين الشيعة والسنة، وفي ليبيا الذي بدأ الصراع فيها يأخذ منحا” قبليا” .. وفي سوريا الذي تتصاعد وتيرة العنف فيها لتأخذ أشكالا” متنوعة بين جيش نظامي وجيش حر مع محاولة اعلامية مستميتة لاضفاء صبغة طائفية على الصراع ليأخذ شكلا” طائفيا” بين سنة وعلوية ….ولا يمكننا اغفال ما حدث في لبنان سابقا” بين الميليشيات الطائفية المسلحة القائمة على الصراع الطائفي التي استمر النزاع فيها سنوات طوال الى أن تمكن القادة السياسيين من توقيع اتفاق الطائف القائم على المحاصصة الطائفية .. والى اليوم ما زال هناك امكانية لعودة الصراع فيها  بسبب وجود هذه النعرات الطائفية والمذهبية التي يغذيها ويلعب الدور الرئيس فيها السلاح غير المنضبط والاعلام المسيس.
مما سبق، وباستعراضنا البسيط دون الدخول بالتفاصيل، نستشف أن الصراع الداخلي في البلدان العربية  يتمحور حول حرب وجود قد تكون باردة أحياناً أو مستعرة أحياناً كثيرة، وبين أطراف متنازعة رغم أنها تعيش على نفس الأرض .. تتكلم نفس اللغة .. يجمعها تاريخ مشترك.. الا أن نزاعاتها وخلافاتها تقوم على اذكاء النعرات والاختلافات العقائدية ….الطائفية …..والقبلية ..  حيث يعتبر كل طرف في هذا الصراع الداخلي أن له الأفضلية والأحقية في السلطة .. وفي الحياة .. مستمدا” قناعاته من الشرائع الدينية السماوية التي يؤمن بها .. أو من انتماءاته العشائرية والقبلية .. وأن الطرف الأخر يسلبه هذا الحق باختلافه عنه عقائدياً أو فكرياً أو قبلياً .. ومن واجبه محاربته لاحقاق دولة الحق والعدل من منظوره هو …

يتغذى هذا الفكر الاقصائي ..على  الفقر والتخلف والجهل الذي يفتح المجال أمام الأفكار العنصرية والطائفية  الى التسلل الى الحياة العامة عن طريق وسائل التواصل والاتصال الاجتماعي المباشر المتمثل بالجماعات السرية التي تتخذ الدين أو الأفكار العقائدية والمصالح الشخصية هدفاً لها، أو بطريق غير مباشر يتمثل بالاعلام والفضائيات التي تتبع أيدولوجية سياسية وفكرية وعقائدية تنشر من خلالها ثقافة أحادية الرؤية تناسب مصالحها الخاصة والضيقة على حساب الوطن.
أما العامل الرئيسي الذي  يساعد هذا الفكر المتطرف العدائي على النمو والتبلور هو شكل النظام الحاكم وسياساته الاستبدادية القائمة على غياب وتغييب الحريات وأساليب الحوار الديمقراطي، ولغة التعايش السلمي، إضافة لفساد السلطة  والدولة والمجتمع  التي تعاني منها شعوبنا.

كل ذلك يشكل عوامل خطيرة ، تعمل على ارساء مقومات التخلف والجهل في المجتمعات العربية ، وهي أهم أسباب تأخر وتراجع هذه البلدان التي كانت وما زالت من بلدان العالم الثالث لأنها وبسبب انشغالها بهذه الصراعات والنزاعات ،لا تستطيع اللحاق بركب الحضارة والتطور الا اذا كانت تستوردها.
عوامل شوهت المجتمعات العربية وخلقت على مدى سنوات شرخاً مجتمعياً وانقساماً حاداً في المجتمع العربي يقوم على التناحر بين مكوناته على أسس لا وطنية. هذا الشرخ والانقسام هو فتيل حرب أهلية أو صراع مسلح  طويل الأمد يشتعل في أي لحظة بوجود من يأجج هذه الروح العدائية بين مكونات المجتمع الواحد.
وأحد أكثر نتائجه خطورة هجرة العقول والكفاءات الى خارج البلد بحثاً عن عوامل الاستقرار والأمان واحترام الانسان التي تتيح المجال لهذه الكفاءات للابداع والانخراط في المجتمعات المتطورة، وتفريغ للبلدان العربية التي تعيش صراعات داخلية من كوادرها العلمية والثقافية والسياسية , التي تشكل حجر الأساس في بناء وتطور وازدهار هذه المجتمعات، وبالتالي لا يمكننا أن نعول على تطوير مجتمعاتنا ومواكبتها لدول العالم المتمدن والراقي  طالما بقيت تزرح تحت سطوة القوالب الدينية والطائفية والقبلية الضيقة والمحدودة، ويبقى أملنا بوقف الصراعات والنزاعات المسلحة باقامة أنظمة ديمقراطية وحكومات ليبرالية قادرة على استعادة زمام السيطرة على أسباب وأطراف النزاع ببناء سياسات وطنية جامعة تنصهر ضمنها المبادئ الدينية السامية لخدمة الفكر الانساني القائم على التعايش والتسامح والمحبة والسلام، واستعادة العقول المهاجرة ورؤؤس الأموال وتسخيرها لعملية بناء الانسان واعمار البلد.
باختصار ..

بين العنصرية والطائفية .. تستلقي جثامين ملايين من البشر الأبرياء اللذين دفعوا حياتهم ثمناً لجشع السلطة والمال والتطرف …  إنه صراع البقاء …  فلتستيقظ ضمائر الانسانية .. ومن يتحكم بها …!!

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى