عبقرية أوسكار وايلد في ‘جريمة اللورد سافيل’
رغم انه عاش حياة قصيرة إلا ان اعماله مازالت راسخة في اذهان القراء وتصنف من اهم كلاسيكيات الأدب الإنكليزي، الكاتب الكبير والمسرحي والشاعر والناقد الإيرلندي اوسكار وايلد الثائر الداعي الى العودة الى الطبيعة المنعتقة من الصنعة، المكروه والمنبوذ في أجواء لندن الڤكتورية (عهد الملكة فكتوريا) الصارمة أخلاقياً ودينياً واجتماعياً.
اشتهر في أعماله الأدبية التي تشمل القصة والشعر والنقد والمقال والمحاضرات وقصص الأطفال بحكمته العميقة وسخريته الذكيّة.
ومن بين اهم أعماله التي تحبس الأنفاس رواية “جريمة اللورد سافيل” الصادرة حديثاً عن دار إدراك في العراق بترجمة إبراهيم المازني.
كان اول صدور للرواية عام 1887 وهي عبارة عن نوڤيلا قصيرة حيثُ أطلق الأديب والشاعر الألماني تيودور شتورم على النوفيلاالرواية القصيرة لقب “أخت الدراما الصغيرة”، فكلتاهما ذات بنية مغلقة ومنتظمة ومتماثلة.
أما الكاتب والناقد المجري جورج لوكاش فوصفها قائلًا “حياة بشريّة يتم التعبير عنها من خلال القوة الحسيّة اللانهائية للساعة المصيرية”.
عند قراءتنا لأعمال صاحب الأمير الصغير يتضح لنا وكأن وايلد سابق لزمانه فقد تميزت أعماله بالسرد المنتظم المبسط وعمق المعنى ففي روايته جريمة اللورد سافيل يناقش وايلد مسألة الدجل و”قراءة الكف” فهل من الممكن ان تتحكم خطوط يد الإنسان في مستقبله ومصيره؟ اللورد سافيل الذي كان يعيش حياة جميلة يرخي الحب ضلاله عليه و خطيبته سيبيل تتحول حياته الى جحيم بعد ان يقرأ له المستر بوجرز كفه الذي ينبأه بإنه سيكون قاتل في يوم من الايام لتتحطم حياة اللورد بعد هذه النبؤة وتتحول الى كابوس مستمر.
“فتالله ماافظع هذا كله وأذهبه بالعقل! ايمكن ان يكون قد خط على راحته بحروف لايستطيع هو ان يتبينها ، ولكن غيره يسعه ان يقرأه ، سر خطيئة مخيف، او دلالة جريمة دموية؟ اولسنا الا بيادق في رقعة شطرنج تحركنا قوة خفية ، او خزفاً يصوغه الفخار على هواه للرفعة أو الضعة وللشرف أو العار؟”.
جريمة مجهولة وضحية مجهولة
شخصية اللورد في الرواية هي شخصية مؤمنة ايمان عميق بقراءة الكف وتأخذ الحياة بكل تفاصيلها على محمل الجد حتى تذكرنا بأحدى اقوال وايلد “الجدية هي الملجأ الوحيد الذي يلوذ به ذوو التفكير الضحل”، وهنا يقرر اللورد تأجيل زواجه من خطيبته الى ان يتم هذه الجريمة الغامضة فلو كان قدره فليساق إليه وحده دون الحاق الضرر بحبيبته.
“ولم يكن حبه لها مجرد شهوة ، فقد كانت سيبيل لكل ماهو خير ونبل”.
على نفسها جنت براقش
هل من الممكن ان تتحول الكلمات الى حقيقه؟ ليفقد الإنسان حياته بسبب خطوط كف أحدهم ، فبعد ان صدق اللورد ماقاله له المستر بوجرز يباشر بالبحث عن ضحية لجريمته للتخلص بأسرع وقت من هذا القدر الأثيم فما اسعد الممثلين ! فإن لهم لخياراً في ما يمثلون من مأساة او فكاهة، ومايؤثرون من حزن او سرور ، ومن ضحك او بكاء، ولكن الأمر في الحياة مختلف جداً ، فإن معظم النساء والرجال مكرهون على أداء أدوار لايؤهلهم لها شيء. فالنقباء يؤدون لنا دور هملت ، والذين هم من طراز هملت يضطرون أن يمزحوا ويهزلوا كالبرنس هال، والدنيا ملعب ، لكن أدوار الرواية موزعة توزيعاً سيئا.
يبدأ سافيل بإختيار ضحاياه ثم يفشل أكثر من مرة في محاولاته الإيقاع بهم لكن هل سيكون للمستر بوجرز نصيب مما تنبأ به وهل ستجني على نفسها براقش!
ولد اوسكار فينغال فلاهيرتي ويلز وايلد في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1854 في دبلن بمنزل في ويستلاند رو لأبوين مثقفين والده الطبيب الجرّاح السير وليام وايلد وأمه الكاتبة والشاعرة جين وقد عُنِيا بتعليم ابنِهما وأَلحقاهُ بمَدرسةِ بورتورا الملكية، ومنها انتقَلَ إلى جامعة ترينيتي.
في حياتِه الدراسية، كان وايلد شغوف بقراءة الأدب الإغريقي والشعر، واستطاع بتفوقه الظفَر بمنحة لجامعةِ أوكسفوردوبعدَ حصولِه على درجةِ البكالوريوس مع مَرتبةِ الشرفِ الأُولى في نوفمبر 1878م سافرَ الى لندن وباريس واميركا وعمل محرراً في مجلة عالم المرأة.
وعرف هناك بطرافته واسلوبه اللاذع وفي عام 1891 نشر روايته الوحيدة “صورة دوريان غراي”، وكذلك حظيت مسرحياته بترحاب كبير من الجمهور، اعتقل وايلد بتهمة البذاءة والفجور عام 1895 وتوفي بعد ثلاث سنوات من اطلاق سراحه في سن الـ 46 سنة.