فن و ثقافة

عماد نداف المتوحد في عشق الشام العدية (2/2)

يحيى كوسى

الكاتب الصحفي عماد نداف  يلعب دور البطولة في  مجموته القصصية ( اذكريني دائما ) ويؤرخ  بالادب  تاريخ المدينة التي يحب

***

اختص عماد في مجموعته اذكريني دائما بالشام واهلها، واستطاع أن يؤرخ تاريخها ويومياتها الندية وصباحاتها الجميلة وامسياتها  في الربوة وفي باحة المسجد الأموي.. وعندما قرٱت اذكريني دائما  شعرت ان كل نص او قصة يمكن أن يكون رواية كاملة، وشعرت بأن دمشق مهد الحضارة هي كلمات لها معانيها ودلالاتها ، فقد كنت مع كل صفحة ازداد معرفة بهذه الميزة التاريخية الجميلة والتي  فك عماد الكثير من أسرارها وخفاياها . فدمشق تستحق حقاً المطر والمحبة والله  حاميها، وفيها قبور عشرات الصحابة والصالحين ، وفيها كل ما يبهج النفس  ويسعد الروح. والقصص التي يسردها  لنا  الكاتب بلسانه  بكونه  بطلها،  وكانه يكتب مذكراته ويقص  لنا حكايته ، يرسم فيها  صور متنوعة من الحياة  دون ان ينسى أي تفاصيل  فهو يصور  الحمامات (الستيتية) كيف  تتراقص امام المارة أمام الجامع الأموي….  ويتحسر لان أباه مات شابا قبل خمسين عاما .. ويرثي الروائي حنا مينا  الذي عمر طويلا ومات قبل أعوام فقط. ويتذكر بلوعة ووفاء  صديقه  جورج طرابيشي عندما يقرر أن يصبح مجنونا  أيام الحرب التي عاشها عماد جرحا عميقا ونازفا وهو يدعو دائما كما في قصته  ديك الحارة الذي يوقظ الناس …يا رب إترك لنا سوريا. وخذ ما تشاء.

في قصته عن شهر رمضان يقول عماد نداف ، تحت عنوان منقوع قمر الدين…  كان ذلك قبل خمسين عاما ..لا يمكن أن أنسى منقوع قمر الدين، وكان قمر الدين يعّد لهلال رمضان ولا يمكن ان أنسى أن الغوطة  جنة الدنيا وهناك من يريد  أخذ الجنة من السوريين ….

في حكايته اذكريني دائما يسجل عماد تاريخ الحب في دمشق ويتساءل  من كتىب اذكريني دائما  على صخرة الربوة في دمشق  هل هو يوسف العظمة ٱم  العاشق الدمشقي ابن حارة المؤيد في الجسر الابيض أم ان عماد نداف نفسه كتب هذه العبارة … يفتش الكاتب  في الوثائق وبين الناس  والجميع يريد ان  يسجل  على صخرته  اذكريني دائما  فالقصة  تقول إن ابو الورد من حارة المؤيد احب فتاة اسمها شام ولم يتزوج منها  وكانت دمرانية فكتب أبو الورد اذكريني دائما لكي تذكره كلما مرت في طريق الربوة وهي في طريقها لزيارة اهلها …

وفي الاحتمال الذي يضعه عماد نداف وكٱنه يوثق مشهدا ويرسخه في الأذهان ليبقى خالدا كما كان جلجامش يبحث عن نبتة الخلود فقد اغضب أبو الورد في حارة المؤيد ٱمه فدعت عليه أن يتحول الورد في يديه إلى شوك ويموت بحسرة من يحب فإذا به يتحول بعد وفاة أمه إلى بائع صبار. ويموت بحسرة من يحب.. فمن الاهتمام بالورد في منزله  في حارة المؤيد بالجسر الابيض  إلى العمل بالصبار في المهاجرين قبل أن يهيم على وجهه بسبب اختفاء حبيبته التي تركته وتزوجت في لبنان ليصبح اسمه المغضوب بائع الصبار…… اشترى ابو الورد حاكورة الصبار في المهاجرين وبعدها انتشرت قصته بين السكان ..عرف في حي المهاجرين…. بالمغضوب …كانت حاكورة الصبار  تطل على دمشق من جهة الربوة وصارت تعرف بحاكورة المغضوب  …

واكثر ما يميز عماد نداف هو أنه متصوف في حب دمشق.  فهي حبيبته وحياته كلها وتاريخه وماضيه وحاضره ومستقبله. ليس هناك في الدنيا ما شغل بال عماد الا الشام  فعيناه تراقبان الشام من الصباح الباكر حتى المساء،  فيعيش معها كل الوقت ، ايام الحزن وايام الفرح  ايام الهزيمة وايام النصر ، فيكتب عن نفسه وعن أفكاره وعواطفه وخيباته وعن أسرته عن أمه وابيه واخته وأخيه، وعن أصدقاء الصبا وجيرانه وأبناء حارته ويسجل لهم على أوراقه وفي كتبه ودفاتره ايامهم ولياليهم، تاريخهم واحوالهم، وهذا عماد نداف يرثي أحد أصدقائه،  وهو سعيد قطرية، ويتساءل في واحدة من قصصه أي زمن هذا الذي لا يقوم فيه الأصدقاء بزيارة أصدقاءهم هي قصة الموت والمرض، ويقول ما قاله محمود درويش .. أن  الموت قد يكون شبيها بالحياة.

48   قصة ونص في مجموعته القصصية اذكريني دائما. يأخذ الكاتب والصحفي فيها  دور البطولة والمكان والتاريخ والزمان  هي مدينة الزمان  دمشق بحاراتها  ورجالاتها وحواكيرها وأوابدها ومدارسها  وعاداتها..  كل قصة منها تتسع لتكون رواية كاملة أو دور بطولة  ولا احد يخطر في باله كيف اكتشف عماد نداف اثر هاتين الكلمتين اذكريني دائما  وكيف  حول الصخرة الصماء الى صوت ناطق  وحكاية جميلة وساحرة ومعبرة .

أما  قصته حكايات مخفية في  سقوف جدران  دمشق فإنها  هي الاخرى  تعبر عن  حب أهل الشام للثقافة وانفتاحهم على أنواع الثقافات ، وهي تحكي قصة الشيخ ابو الورق  الذي كان يدس الكلمات والأمثال والحكم الجميلة في شقوق الجدران والأشجار ليقرآها الناس،  و تتضمن آيات قرآنية وأشعار وأقوال الحكماء، كما تتضمن ثقافات مختلفة واداب متنوعة وشخصيات ثقافية وفكرية مثل ابن عطاء  السكندري ونصائح لقمان الحكيم  لأبنائه  وأوراق فيها أجمل ما قيل من شعر.

يتحسر عماد نداف على  تلك الأيام ويقول: ..مرت أيام وسنوات  كثيرة اختفت تلك الأوراق وسال صمغ أصفر في شقوق  من شقوق  الأشجار وتراجعت بيوت الطين  وفي الأبنية العالية  ليس هناك من شقوق تحتضن أوراقا  دمشقية  .

يبحث عماد ويجادل في تفاصيل التفاصيل. وما يستوقفه ويسترعى اهتمامه ربما لا يخطر على بال احد غيره. …فخصوصية عماد وهو الشاب  الدمشقي السياسي  المنفتح والمولع بالثقافة الإسلامية  وتاريخ العرب  كما أنه  درس الديالكتيك في مقتبل العمر وعندما قرر بناء منزل أختار أعلى تلة في قريته عسال الورد بريف دمشق  . واستطاع بعد ان بلغ من العمر عتيا  ويكاد يصل الى ارذل العمر ان  يبني بيتا على الهيكل.  وهو يقول  في حكايته  بيتي هناك عند رٱس التلة:  اخاف عليه كثيرا  كما اخاف على الشام  ورغم انه على الهيكل  فان   قناعتي التامة هي انه سيكتمل  وسيعرفه الناس  فعلا بالبيت الأزرق، على رٱس  تلة من تلال الشام اسمها تلة الكرامة…

الأشجار والأزهار والورود ووسائل الإعلام  الفيسبوك والواتس آب والإذاعة والتلفزيون والنباتات والتجارة والمٱكولات   لها مساحة   في اعمال  نداف الادبية والفكرية والسينمائية والتلفزيونية والصحفية  وهو صحفي (مسبع الكارات) لم يترك شاردة ولا واردة. لديه مكتبة لامثيل لها  تضم الاف الكتب  وربما يكون الصحفي السوري الوحيد  الذي  اشتغل بالسياسة والاعلام  طوال حياته دون انقطاع ، وقد  كنت انوي ان اكتب عنه وليس عن  مجموعته القصصية اذكريني دائما قبل أكثر من عشرين عاما عندما  التقيته  في إذاعة دمشق  فلم يغادرها هو ولم أغادرها أنا  وبقينا نلتقي في صباحاتها  كما لو أننا صخرتين او حجريين  مثبتين في فنائها او في أحسن الاحوال مشاجب  لتعليق الثياب  لاأدري . لم اجد  اية صعوبة في  الكتابة  عن  هذا الكاتب الألمعي  المحترم  الذي سيكون له دائما حضور  في الاعلام السوري  وقد كان يحلم منذ طفولته   بأن يكون رئيسا للبلاد  كما يقول في قصته  زيارة  للقصر الجمهوري أيام الوحدة مع مصر  من أجل أن يحصل العيدية   وتلك إشارة إلى الطفولة الصحيحة التي عاشها، والى المكانة التي أرادها لنفسه منذ  صغره والتي جعلته دائما يمعن التفكير و يقارن بين الماضي الجميل والحاضر البائس. يقول عماد لأبو شاكر بائع العصير الذي اصابته قذيفة خلال الحرب :..أسمع يا أبو شاكر أرجو أن تعود البلاد  كما كانت ويعود الوطن…

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى