نوافذ

فقاعات من نوع آخر

لم يتبيّن لي عندما جرّبت ذلك الحذاء في أحد محالِّ الأحذية الرياضية أنّ هناك أية مشكلة بخصوصه، فعندما ارتديت إحدى نعليه ذاتِ القياس الذي أشتريه في العادة؛ انزلقت قدمي بداخلها بسهولة كبيرة ذكّرتني بالانزلاقة العجيبة لحذاء سندريلا في تلك القصة الشهيرة التي لطالما حيّرتني في طفولتي..

فهل يعقل أنّ مدينة بأكملها لا يوجد فيها فتاةٌ واحدة لها نفس مقاس قدم سندريلا؟!!

أعتقد أنني برّرت الأمر حينها بأنه لولا غرابة ذلك الحذاء لما وُجِدت القصة من أساسها، كما أن الكُتّاب يتركون أحياناً مجالاً لبعض إشارات الاستفهام على سبيل تحريك ذهن القارئ وإدهاشه!

لا أعلم لماذا تخيّلت سندريلا في زمننا هذا وهي تترحّم على أيام معاناتها عندما كانت تسكن مع زوجة أبيها وابنتيها الغيورتين، سيّما وأنه لم يعد الزمنُ زمنَ الأحذية البلورية ذات الكعوب العالية، بل أصبح زمن الأحذية العمليّة التي عليها أن تُبقي صاحبها قادراً على الوقوف لأطول فترة ممكنة وهو يقاسي في عمله طيلة اليوم!.

وخلافاً لحذاء سندريلا المناسب فوق العادة، آلمني حذائي الجديد حين ارتديته في اليوم التالي، واكتشفت عندما عدت إلى المنزل بأنه تسبّب لي  بفقاعة صغيرة على قدمي من الخلف!

لم يكن ذلك سبباً كافياً لأمتنع عن ارتدائه مجدداً، ولكن بالطبع ليس في اليوم اللاحق، فقد انتظرت حتى شُفيَت الفقاعة، و عزمت على أن أشدَّ الحذاء جيداً لكيلا يحتكّ بالجلد ويسبب لي فقاعات جديدة، كما وضعت على قدمي قطعة من منديل ورقيّ احتياطاً.

لم يخلُ الأمر من عدم الارتياح  لبعض الوقت، ولكن لم تعد تلك الفقاعة للتشكل مرة أخرى، واكتشفت بأنني تأقلمت مع ارتدائه إلى أن أصبح لا يزعجني إطلاقاً..

تذكّرت أنني شاهدت شبيهة تلك الفقاعة على إبهام يدي في وقت سابق عندما عُدت للعب التنس بعد فترة انقطاع طويلة، ولكنني استمريت باللعب بعدها، ولم يمرّ وقت طويل حتى اختفت الفقاعة تماماً ولم تعد للظهور رغم استمراري باللعب.

قلت لنفسي: ربما قوة طبقات الجلد قد ازدادت واعتادت الإجهاد المطبّق عليها!

صحيح بأنّ تلك الفقاعات تسبب بعض الألم، ومنظرها ليس بالمنظر المستحبّ، لكنني لو اعتبرتها مشكلة كبيرة ولم أتأقلم مع وجودها؛ لما عُدت لارتداء ذلك الحذاء، ولما عُدت للعبةِ التنس التي أحبّ، ولكُنت افتتحتُ قائمة طويلة من الخيبات دون سبب حقيقي مقنع لها!

ربما تكون حياتنا ملأى بالظروف والأحداث التي تسبّب لنا بقساوتها الكثير من الفقاعات المؤلمة، ولكن ليس من المُجدي أن نكون شديدي الفقاعية والحساسية للدرجة التي تجعلنا غير قادرين على التأقلم!

وكما يقول جلال الدين الرومي بشكل يدعم نظرية الفقاعات:

“هروبك ممّا يؤلمك سيؤلمك أكثر، لا تهرب، تألّم حتّى تُشفى”.

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى