قبعة شوقي بغدادي على رأسي!
قبل نحو ربع قرن التقيت مع الكاتب السوري الكبير شوقي بغدادي. وكانت مجموعتي القصصية الأولى (الكتابة على الماء) قد صدرت في قبرص، وقال لي الكاتب وائل السواح وقتها إنه أعطى نسخته التي أهديتها له من مجموعتي لشوقي بغدادي وطلب منه التعرف على هذا الإصدار الجديد..
كان شوقي بغدادي في المركز الثقافي العربي في أبي رمانة عندما عرّفته بنفسي وسألته عن مجموعتي القصصية التي وصلته، فأطراها بحماسة، وكان إطراؤه عفويا لأنني سألته رأيه في مكان عام ومستعجل، وكان واضحا من إجابته أنه قرأها حالما أعطاها له وائل..
وبطبيعة الحال يحمل كل منا شهادة الآخرين به ويدور بها كأنها جائزة من جوائز هذا العصر، وهذا أمر مهم، وله جذور في مجتمعات العالم، فشهادة شيوخ الكار بألف ، وشوقي بغدادي من كبار كتاب القصة والشعر في سورية بعد الاستقلال، لذلك شعرت بالاعتزاز برأيه الموجز بقصصي.
مر وقت طويل على شهادته المتعلقة بمجموعة (الكتابة على الماء)، وكان لدي رغبة أن أنشر شيئا عن تلك الشهادة في مقالاتي، وخاصة بعدما نشرتُ إطراء الكاتب الكبير حنا مينه لي في مقالتي (قبلات حنا مينا السبع)، ولكني تأخرت في هذه الخطوة إلى أن زيّن شوقي بغدادي قائمة الكتّاب المشاركين في موقع بوابة الشرق الأوسط الإلكتروني باسمه، فصارت القائمة تبدأ بشوقي بغدادي، وتنتهي بعماد ندّاف !
مؤخرا، انتبه شوقي إليّ، على الأقل لأني ألاحقه في نشاطه ومصيره دون أن أثقل عليه، ووجدته في إحدى المرات يعلق على نص كتبته عن ياسمينة القبو الذي هاجر أصحابه، فيشكرني على شيء ما أثارته القصة في نفسه. وآخر مرة من تواصله معي على موقع الفيس بوك استفسر عن شيء كتبته على صفحتي ويعود لأكثر من ثلاثين عاما عن العفو والغفران، وعندما أجبته كتب لي : أرفع قبعتي لك ياعماد نداف!
لا أعرف لماذا دفعتني العبارة لأبحث عن معناها، رغم أني أعرف هذا المعنى واعتدت عليه كأي إنسان ينتمي إلى هذا العصرـ فرفع القبعة، هو نوع من التحيات المعروفة منذ نحو قرنين أو ثلاثة، ومضمونه التعبير عن الاحترام والتقدير في الغرب، وتذكرت عبارة (تنكيس العقال) عندنا التي تحمل معنى معاكسا ، وكأن المفاهيم تتقارب عند الشعوب فالأمر يتعلق بالرأس تحديدا ، وكما تعرفون إن من أنواع التحيات هو الانحناء للشخص الآخر رجلا كان أم امرأة وحنى ظهره يعني حنى رأسه بالضرورة ..
المهم في الأمر أن شوقي بغدادي (لا داعي لأسبق اسمه بأي صفة) هو اليوم واحد من أهم القامات السورية الثقافية التي لم يعد المجتمع السوري يقدمها لنا بسخاء . نعم هو يرفع القبعة احتراما لي ، وبمعنى أدق احتراما لسيرتي . وأنا لا أعرف كيف أرد ..
هل يمكن أن أرد عليه بعبارة أخرى تعادل هذه التحية الكبيرة، فأقول له مثلا : وأنا أرفع القبعة لك ياشوقي بغدادي !
خفت .
نعم خفت . لايجوز في لغة الاحترام أن أقول ذلك . على الأقل لأنه قدم لي أعظم تحية احترام وتقديم بالمفهوم المتعارف عليه .
أتعرفون ماذا فعلت . قلت ، وكما يقول العامة : على راسي قبعته !
نعم وضعت قبعة شوقي بغدادي على رأسي ، فوجدت نفسي أحمل ثقلا كبيرا، ثم شعرت أنني أنحني . نعم انحنيت إلى آخر ما أستطيع، والقبعة فوق
رأسي .
ألا يستحق شوقي بغدادي أن ننحني له وهو واحد من آخر الورود التي تفتحت في زماننا الذي عشناه ؟!