“تدمير أمة”: الحرب السورية وفق الدعاية الغربية

تدمير أمة كتاب يحاول أن يقدم نقطتين أساستين، الأولى هي لمحة في التاريخ السياسي الحديث لسوريا، ومن توالى عليها من قيادات وروؤساء، وذلك من خلال الإنقلابات التي مرت على سوريا منذ انقلاب حسني الزعيم وحتى أحداث عام 2011. وأما النقطة الثانية التي يعالجها الكاتب، ودائماً من وجهة نظر الدبلوماسي الأوروبي، الذي يمثله نيكولاس فان دام، والذي يحاول أن يفهم وأن يحكم ويحاكم مسار “الثورة”، كما يسمّيها، وما الذي حدث كي تنحرف عن مسارها ودور الأوروبيين والقوى الخارجية فيها. كما يقدم قراءته للدولة السورية من الإستقلال وحتى اليوم.

الكتاب بحد ذاته لا يأتي بجديد، ولكن المرحلة التي طبع فيها الكتاب وهي العام 2017، وصدور طبعتين منه حتى اليوم، يمكن أن يجعلنا نعيد النظر في أهميته. لأنه من الواضح أنه كتاب يُقرأ اليوم وعلى نطاق واسع. والشخصية التي يمثلها نيكولاس فان دام، الدبلوماسي الهولندي الذي قضى فترة طويلة من حياته في الشرق الأوسط، تعطي الكتاب الأهمية التي يتمتع بها اليوم في الغرب. ومن ناحية أخرى تظهر أهمية قراءة الكتاب بالنسبة للقارئ العربي من خلال وجهتي نظر متباينتين، ويمكن أن تكونا عند البعض متكاملتين، وكلتاهما تتبع مزاج القارئ السياسي. الأولى، قد يرى البعض فيها أن الكتاب يتحدث بطريقة موضوعية أو متحاملة “معظم الأوقات” وأنه يشرح مسار الأحداث السياسية في سوريا منذ العام 2011 وحتى اليوم، هذا بالإضافة إلى الخلفية التاريخية.

وأما النقطة الثانية، فيمكننا أن نقرأ فيها وبكل وضوح الموقف الأوروبي والغرب بشكل عام من الحرب في سوريا، وقراءة الوضع العام، لأن أمثال فان دام هم الأبطال الذين يقودون السياسات في دولهم وهم ذوو الباع الطويل في توجيهها.

يأتي الكتاب في أربعة فصول، إذ يبدأ الدبلوماسي الهولندي بالحديث في المقدمة عن أول زيارة يقوم بها إلى سوريا في العام 1964، ويمتدح لطافة وكرم الضيافة الذي يتمتع به السوريون، والذي فاجأه، أي أن فان دام يحاول أن يعبّر عن عظيم مشاعر المحبة التي يكنّها للسوريين منذ الصفحات الأولى للكتاب، وأنه يعالج الوضع السوري من منطلق الحل لا من منطلق الصراع، وهذه مسؤولية كبيرة!. ولكن، ليس من الضروري أنه قد قام بذلك فعلياً، فما بين السطور أحياناً أو بالكلام الصريح أحياناً أخرى يسعى للبحث عن نقاط الخلاف، التي تبرّر حمل السلاح ضد الدولة.

يطرح الكتاب مجموعة من العناوين التي يناقش من خلالها الوضع في سوريا عبر نشأتها وحتى اليوم، حتى أنه يناقش علاقات الناس ببعضهم البعض، وعلاقة كل منطقة في سوريا مع امتدادها مع الدول العربية، مثل: علاقة الساحل السوري بطرابلس في لبنان، وحمص والعلاقة مع الهرمل وزحلة في لبنان، حلب والعلاقة مع الموصل في العراق، دير الزور والبوكمال والعلاقة مع العراق. ومن خلال طرح هذه العلاقات يرى الكاتب أن ذلك، وهو ما كُتبه العديد من الباحثين، يظهر هشاشة التقسيم الذي جاء في اتفاق سايكس بيكو، والذي فرّق الناس بخربشة قلم على خريطة الهلال الخصيب من أجل توزيع السلطة ما بين الفرنسيين والبريطانيين.

يطرح الكتاب من خلال الفصول العناوين التالية، وهي:

الفصل الأول: ملخص تاريخ البعث قبل “الثورة السورية“.

ويتحدث فيه عن استلام حزب البعث للسلطة في العام 1963، والحوار عما إذا كان “النظام” علمانياً أم طائفياً. مع العلم أن “فان دام” يرى أن “النظام في تركيبته وفي مبادئ البعث هو نظام علماني”، ولكن اندفاع بعض شباب الأقليات للإنضمام إليه وللإنضمام إلى صفوف الجيش السوري بسبب الحالة الإقتصادية، هو ما جعل الأمر يبدو وكأنه حكم أقلوي. كما يعود إلى حركة الإنقلابات التي شهدتها سوريا حتى استلام الرئيس حافظ الأسد للحكم. ثم يشرح تاريخ حركة الأخوان المسلمين والتي انبثق عنها حركة المجاهدين المسلمين والتي قادت الإضطربات في سوريا وعمليات التفجير والإغتيالات لأبناء الأقليات في سوريا حتى وإن لم يكونوا من السلطة ما بين الأعوام 1976- 1981.

الفصل الثاني: هل كان من الممكن تجنب الحرب في سوريا؟

في إجابة عن هذا السؤال، يبدأ فان دام الكلام عن التدخل الأجنبي في سوريا وتمويل الجماعات التي انفصلت عن الجيش وعن دعم الحكومة السورية من قبل كل من حزب الله وروسيا – ودائماً عند التحدث عن الدعم الروسي ينسى الكاتب كما الجميع: أن روسيا لم تدخل في الحرب على سوريا مع الجيش السوري إلا في العام 2015، أي بعد مرور أربع سنوات عليها. ولكنه يعود ويطرح السؤال إذا ما كان من الممكن تجنّب الحرب لو أن قوات الحكومة لم تتدخل وتقمع الجماعات المسلحة، ولربما حقنت عندها الدماء السورية. ثم يستدرك أن سوريا لم تعرف خلال التاريخ الديمقراطية، ولا حتى تحت الحكم الفرنسي أو العثماني أو… وأنها خضعت للإحتلالات منذ فجر التاريخ. ولكن في حقيقة الأمر اتصفت مقاربته بالسطحية لأن سوريا كما تعرف اليوم لا يمكن مناقشة وجودها وتاريخها بهذه السذاجة. فهي تاريخ يمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، ولا يمكن حصره بالصفحات القليلة التي خصصها في الكتاب من أجل تبرير قراءته للوضع القائم، والأمر ذاته ينطبق على الدول العربية جميعها من حيث المسار التاريخي فيها وكيفية تشكّلها في التاريخ الحديث. ثم يعود بعد ذلك للحديث عن الإستقطاب الطائفي الذي شهدته سوريا بعد العام 1970. ويتحدث عن لهجة القاف وأنها ليست خاصة بطائفة بل هي لهجة يتحدث بها عموم أبناء الريف في سوريا.

الفصل الثالث: المواجهات ما بين الحكومة والمعارضة.

في هذا الفصل يحاول توصيف الوضع وتطوره، ليصل بعد ذلك إلى تناول موضوع القوات الموالية للرئيس بشار الأسد، من دون أن يشير إلى أن الجيش السوري هو الذي يقاتل الإرهابيين والتكفيريين اليوم. كما يشرح في هذا الإطار الإنتماء العقائدي للرئيس بشار الأسد على الرغم من دراسته لطب العيون في بريطانيا، فهو ابن سوريا وهو لم يخرج عن إطار تربيته وتنشأته على أنه عربي، وعن الإهتمام بقضايا العرب. ثم يصل بعد ذلك للحديث عن دور الجامعة العربية وعن دور العرب وتركيا في تمويل وتسليح المعارضة المسلحة منذ اليوم الأول، ومن ثم إرسال الفصائل التكفيرية من أجل محاربة الدولة في سوريا. وعن نشوء وتسليح الجيش الحر، وعن المجازر التي ارتكبت بحق الجيش السوري، والتي وصلت بالأمور إلى الحد الذي آلت اليه.

الفصل الرابع: المقاربة المترددة للغرب للصراع السوري.

في هذا الفصل يتحدث عن الغرب الذي لم يكن على مستوى الحدث، وجلّ ما فعله هو سحب السفارات ومقاطعة دمشق. ويقول إن الدولة الوحيدة التي طالبت بتغيير النظام كانت تركيا. ثم يشير إلى تغير المواقف الأميركية ما بين باراك أوباما، الذي هدد بالحرب على سوريا وبين الموقف الحاسم، الذي اتخذه دونالد ترامب حين قصف مطار الشعيرات بسبب “مجزرة الكيمائي” المزعومة في خان شيخون. ويرى الكاتب أن أوروبا لم تكن على مستوى الحدث في سوريا.

من المبرر أن يقرأ فان دام الأحداث في سوريا بحسب رؤيته كدبلوماسي غربي ولكن أن يظهر جهله بما يجري على الأرض السورية من خلال الإستشهاد بما هو غير واقعي، فإن ذلك يطرح الشك بنوايا الدبلوماسي العتيق. ويتضح ذلك عند الحديث عن فرقة الشبيحة، الموالية للحكومة، اذ يغدو الأمر سخيفاً. إذ أن تعبير الشبيحة، الذي ظهر أثناء الحرب على سوريا ووصف به رجال الأمن والشرطة، يتعامل معه على أنه اسم فرقة نظامية طائفية تقاتل في صف النظام؛ وفي الحقيقة هو وصف ظهر كتعبير كان يراد به التوصيف السيء لقوات الأمن والشرطة، فكانت النتيجة أن كل من كان مع حكومة الأسد بات يسمى بـ”الشبيحة”؛ وبالتالي تحول السؤال بدلاً من أنك مع “الثورة” أو ضدها، ليصبح: هل أنت شبيح أم ثورجي؟.

وفي كناية مستهزئة بالثوار، وفي مرحلة متقدمة صار تعبير “فورجي” هو السائد، كناية عن أنها كانت فورة ولم تكن ثورة. وأما الهتافات في المسيرات الداعمة للدولة بأن جميع الموالين هم “شبيحة” فلم تكن إلا تعبيراً عن روح الدعابة التي يتمتع بها السوريون حتى في أحلك الأوقات، وهذا ما لم يفهمه فان دام ومن نقل له الأخبار.

وفي السياق السابق نفسه، يأتي ما ذكره فان دام حول الأحياء السكنية التي بنتها الحكومة في دمشق وبشكل خاص لأبناء الطائفة العلوية من مناصريه، وهذا الكلام أيضاً غير دقيق. فليس في دمشق أو حتى في خارجها أي تجمع سكاني حديث بُني على أساس أن يقتصر سكانه على طائفة دون أخرى. ولكن كان في سوريا، نظام مشاريع إسكان يتبع النقابات، وكان من الممكن أن تقوم كل نقابة، والتي تضم الجميع، ببناء مشاريع سكنية للمنتسبين إليها وبالتقسيط المريح. فالمعلومات اللوجستية التي يتبناها فان دام تظهر ضعف مصادره.

يعد الكتاب الذي يحاول أن يوصف الحالة الراهنة في سوريا، ويظهر الحرص عليها من خلال اتهام كل من الحكومة والمعارضة بالتواطء في “هدم أمة”، من الكتب التي تحاول أن تؤكد الصورة النمطية التي يحاول الغرب الترويج لها منذ بداية الحرب على سوريا. ولو اكتفى بأدنى قدر من الموضوعية في توضح الأخطاء التي أوصلت سوريا إلى هذا الحجم من الدمار، لكان الأمر معقولاً. غير أن فان دام حاول أن يلقي باللوم على الحكومة في سوريا في هدم الدولة متناسياً ما يطرحه في الكتاب عن دخول التكفيريين وتسليحهم من قبل السعودية والإمارات وقطر وتركيا. وكما يتجنب الحديث عن دور كل من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا في تدريب المجموعات التي يطلق عليها اسم “المعتدلة” من أجل قتال قوات الحكومة والدولة وهو أمر مستمر حتى اليوم. وحتى عندما يتحدث عن تخاذل أوروبا وعن تراجعها عن إتخاذ القرار الحاسم بالحرب على سوريا، وعدم توجيه ضربة عسكرية لسوريا، خصوصاً بعد الإتهامات المزعومة باستخدام السلاح الكيمائي.

في الحقيقة الكتاب خطير جداً، وتجب قراءته ليس فقط من أجل فهم النظرة الحقيقية للغرب حول ما يجري في سوريا، ولكن من أجل فهم الأفكار التي لا يزال الغرب يروّج لها بين مجتمعاته ويجذّرها بين مثقفيه، ليصبح حينئذ قرار الحرب الشاملة على سوريا أقرب إلى الأخلاقي. فإذا كانت الأمة مدمرة كما يقول فان دام، وسوريا ليست أمة بل هي جزء من أمة، ولكنها لا تزال حتى بعد هذا العناء التي تقع تحته تعبّر عن الأمة العربية، فإن قرار الحرب حينئذ لن تكون نتيجته تدمير سوريا، بل سيكون، في ذهن جمهور الغرب ومثقفيه، خلاص سوريا. إنه كتاب وبكل نعومة طياته يدعو إلى اتخاذ قرار الحرب من الغرب ضد سوريا وبكل ما للكلمة من معنى.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى