نجوى عانوس توثق وتحلل التمصير في المسرح المصري

 

تعميقا واستكمالا لمشروعها التوثيقي والتحليلي للتمصير في المسرح المصري والذي انطلق بكتابها “التمصير في المسرح المصري من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية 1914 – 1945” والصادر عام 2000 في طبعة محدودة، كان أن قررت د.نجوى عانوس الأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الزقازيق التوسع في هذا الكتاب ليمتد إلى فترة تاريخية أطول مع توثيق أعمال لممصرين لعبوا دورا بارزا، ومن هنا جاء كتاب “التمصير في المسرح المصري.. من يعقوب صنوع 1870 إلى الحرب العالمية الثانية 1945“.

كشفت عانوس عن دافعها للعودة إلى موضوع التمصير في المسرح المصري وتوسعها في دراستها السابقة، قائلة “لما كانت الدراسة الأولى تفتقد الفترة الأولى في التمصير منذ يعقوب صنوع 1870 – 1872 الذي مصّر مسرحيتين عن موليير هما “مريض الوهم” تحت عنوان “العليل”، وجورج داندان تحت عنوان “الأميرة الإسكندرانية”، وتفتقد أيضا ممصرا متميزا هو محمد عثمان جلال حيث إنه الوحيد الذي مصّر كوميديات موليير زجلا، فمصّر “الشيخ متلوف” عن “ترتوف” لموليير في 1873 ثم “مدرسة الزوجات” و”مدرسة الأزواج” و”النساء العالمات” في فترة 1889 إلى 1890 في كتاب بعنوان “الأربع روايات من نخب التياترات”، ويقول دكتور لويس عوض “ولقد كان سيكون لأدبنا المسرحي شأن آخر لو أن هذه التقاليد المسرحية التي أرساها محمد عثمان جلال وجدت بين المترجمين والمنشئين للمسرح بيننا من يغذيها وينميها”.

وأضافت “لم يهتم الدارسون بدراسة التمصير في مسرح محمد عثمان جلال رغم أهميته ولم نجد عنه إلا بعض إشارات في كتاب (دراسات في أدبنا الحديث) للويس عوض، وكتاب (تاريخ الدعوة إلى العامية) لنفوسه زكريا، وكتاب (المسرحية في الأدب العربي الحديث 1847 – 1914) لمحمد يوسف نجم، كما جمع محمد يوسف نجم مسرحياته الكوميدية. ولهذا كان من الضروري أن أعيد كتابة هذه الدراسة حتى أناقش عدة إشكاليات خاصة بمحمد عثمان جلال وهي كيف مصّر زجلا؟ ولماذا اختار كل من صنوع وجلال موليير الفرنسي بصفة خاصة، وفي هذه الفترة للتمصير عنه ومدى نجاح هذه المسرحيات.

أما عن مسرحيات جلال “استير” و”أفغانية” و”الإسكندر الأكبر” الذين جمعهم في مؤلف بعنوان “الروايات المفيدة في علم التراجيدة”، فقد ذكر الباحثون مثل د.يوسف نجم ود.نفوسة زكريا أنه مصّرهم عن راسين ولكنني عندما قمت بمقارنة هذه النصوص التراجيدية لراسين وجدت أنه لم يمصّرهم بل ترجمهم إلى الزجل العامي لإيمانه بأن الزجل هو اللغة الوحيدة الصالحة للتعبير عن التقنيات المسرحية سواء أكان كوميديا أو تراجيديا.

وأوضحت عانوس “وجدت أيضا أن مشروع دراستي الأولى في التمصير افتقدت دراسة التمصير في كثير من المسرحيات مثل مسرحية “سياحة حمروش” لإبراهيم رمزي الممصّرة عن رحلة “بيرشون” للابيش، وتمصير أمين صدقي لـ “بخيل” موليير وغيرهما. وبالرغم من وجود ظواهر مشتركة في التمصير إلا أن محمد عثمان جلال هو الوحيد الذي انفرد بسمات خاصة مثل التمصير إلى الزجل والالتزام بالتعليمية والوعظ، فهو يذكر في بداية كل مسرحية الموعظة والحكمة المستفادة، وهذه الوظيفة التعليمية تتفق مع وظيفة الأدب والمسرح العربي آنذاك”.

وقالت إن التمصير يعد ظاهرة من أهم ظواهر المسرح المصري، منذ 1870 على يد يعقوب صنوع إلى الحرب العالمية الثانية، وقد استمر التمصير بعد هذه الفترة لكنني خصصت كتابي فيها عن مسرحيات فرنسية.

ورأت أن الممصرين اختلفوا في أنواع التمصير، فمنهم من حول المسرحيات الفرنسية لموليير إلى الزجل العامي، مثل محمد عثمان جلال، ومنهم من تخصص في التمصير عن الفودفيل الفرنسي للكاتب جورج فيدو، مثل عباس علام، وعزيز عيد، وأمين صدقي، ومنهم من تخصص في تمصير الكوميديا الاجتماعية الجادة الفرنسية مثل بديع خيري، ونجيب الريحاني. وقد قمت في هذه الدراسة بمقارنة بين الأعمال المسرحية الفرنسية، والمسرحيات الممصرة، وبذلت جهدا كبيرا في العثور على الأصول الفرنسية، ومعظمها مسرحيات مغمورة لكتاب مغمورين.

وتمنت عانوس أن تفتح هذه الدراسة أبوابا جديدة للاستمرار في دراسة هذه الظاهرة بعد الحرب العالمية الثانية، وأن يتخصص الدراسون في دراسة التمصير عن المسرحيات الإنجليزية والإيطالية.

انقسمت الدراسة إلى تمهيد وثلاثة فصول، أوضحت عانوس في التمهيد أسباب تأثر المسرح المصري بالمسرح الفرنسي بصفة خاصة وقالت “كان للثقافة الفرنسية أكبر الأثر في نهضة مصر الفكرية منذ حملة نابيلون بونابرت 1798، فقد صحبت هذه الحملة العلماء الذين درسوا جميع مظاهر الحياة في مصر، فكانت الطبقة الارستقراطية تفضل تعليم أبنائها في المدارس الفرنسية عن المدارس الإنجليزية، كما أراد الخديوي إسماعيل أن يجعل مصر جزءا من فرنسا فأسس الأوبرا المصرية ومسرح الكوميدي فرانسيز، وشجع صنوع على تأسيس مسرحه ولقبه بموليير مصر تقليدا لموليير فرنسا.

وأشارت إلى أن مصر أوفدت إلى فرنسا من خلال البعثات بعض المثقفين أمثال طه حسين ومحمد تيمور وأحمد شوقي وتوفيق الحكيم والمخرج والممثل المسرحي زكي طليمات، وقد تأثر هؤلاء بالثقافة الفرنسية في كتاباتهم، كما كان أصحاب الفرق المسرحية المصرية يشاهدون المسرحيات الفرنسية معروضة في مسارح مصرية مثل الكورسات والأوبرا وكما لعبت الصحافة دورا مهما في انتشار المسرح الفرنسي. أضف إلى كل هذا الأسباب التي جعلت المسرح الفرنسي الدور الرائد في المسرح المصري أن ترجمة جالان لألف ليلة وليلة، هي أول ما لفت نظر الغربيين إلى هذا العمل فاستمد كتاب المسرح الفرنسي حكاياتها في مسرحياتهم وبصفة خاصة في مسرحهم الغنائي. كما تناولت مفهوم مصطلح الترجمة والتعريب والتمصير وقتئذ وأسباب انتشار حركة التمصير في أواخر القرن التاسع عشر منذ يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال حتى بلغت أشدها في ثورة 1919.

تمصير الأوبريت والأوبرا

وعرضت عانوس في الفصل الأول لتاريخ المسرحيات الممصرة، ودرست ظروف تمصير هذه المسرحيات الفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد التزمت فيه الترتيب التاريخي.

أما الفصل الثاني فقد خصصته لدراسة الظواهر المشتركة في التمصير عند يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال وبديع وخيري ونجيب الريحاني وعباس علام ومحمد تيمور وتوفيق الحكيم وعزيز عيد وبيرم التونسي وسليم نخلة ويونس القاضي ومحمد عبدالقدوس وإبراهيم رمزي، وقد عقدت مقارنة لاستخراج هذه الظواهر بين المسرحيات الممصرة والمسرحيات الفرنسية الممصر عنها.

وأوضحت عانوس أهم هذه الظواهر وهي: تغيير أسماء الشخصيات والأماكن وعناوين المسرحيات من فرنسية إلى مصرية، وإيداع شخصيات من البيئة الشعبية والمتوسطة والأجنبية التي تعيش في مصر والسخرية من الممثل التراجيدي والميلودرامي وإبداع الحلم للانتقال الطبقي، وإبداع الانتقال الطبقي والخلاص بالعثور على الكنز أو ورقة اليانصيب، وإضافة معالجة مشكلات اجتماعية من البيئة المصرية، وتمصير صورة المرأة والرجل والجدل بينهما وحذف المشاهد التي لا تتفق مع البيئة والعادات والتقاليد المصرية والتزامه بالمشاهد التي لا تتفق مع مشكلاتنا الاجتماعية وقتئذ. كما تأثر الممصرون في تمصيرهم بمؤثرات شعبية في الحوار مثل الخطابية وإلقاء الموعظة والإطناب والردح واللهجات الخاصة كوسيلة من وسائل الإضحاك، كما شاعت الأمثال والتعبيرات الشعبية على لسان الشخصيات الشعبية بصفة خاصة للتأكيد على انتمائها لهذه الطبقة.

وتناولت عانوس في الفصل الثاني “تمصير الأوبريت والأوبرا” أولا لدراسة مسرحيتين من الأوبريت: “المدينة المسحورة” أو “معروف الإسكافي” تمصير محمد عبدالقدوس، و”على بابا والأربعين حرامي” تمصير توفيق الحكيم. ثانيا لدراسة أوبريت “شهرزاد” تمصير عزيز عيد وكتب أغانيها بيرم التونسي وذلك لأنني وجدتها تحمل سمات مختلفة عن المسرحيتين السابقتين، وثالثا لدراسة الظواهر المشتركة في تمصير أوبرا “كليوباترا” و”مارك أنطون” تمصير سليم نخلة ويونس القاضي و”أمينوسا” تمصير توفيق الحكيم.

ولفتت عانوس للصعوبات الكثير التي واجهتها أثناء إعداد دراستها، وقالت “أولها العثور على المسرحيات الفرنسية نظرا لعدم ذكر الممصر اسم المسرحية أو المؤلف الفرنسي الذي مصّر عنه، لأن معظمها مسرحيات مغمورة لمؤلفين مغمورين وقد استطعت العثور عليها في باريس منشورة في صحيفة قديمة، عثرت على بعض أعدادها من 1906 – 1909 وهي صحيفة المسرحيات المصورة “جريدة الأحداث الدرامية”.

وقد عثرت في هذه الجريدة على مسرحية Miquette et sa Mere ميكيت وأمها التي أصبحت “الشايب لما يدلع” للكاتبين De MM.r.De Flcrs et G.A. De Caaillavet في 1906. وعثرت على مسرحية La petite chocolatier للكاتب Paul Gavault كتبها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1909 ومصّرها بديع خيري ونجيب الريحاني تحت عنوان “الدلوعة”.

كما استطعت العثور على مؤلفات جورج فيدو الفرنسية ومسرحية طوباز لمارسيل بانيول ومسرحيات لابيش في فرنسا في مكتبة Le coupe papier (La Librarie du spectacle) في باريس. وقد عقدت مقارنة بينهم وبين المسرحيات الممصرة حتى أعرف العنوان الفرنسي والمؤلف، والصعوبة الثانية هي العثور على المخطوطات المسرحية المصرية وقد عثرت على معظمها في مركز المسرح والموسيقي بالقاهرة، وبعضها الآخر في مكتبة إبراهيم رمزي الخاصة. وأملي أن أكون قد نجحت في إضافة دراسة التمصير في فترة مهمة “1870 إلى 1890” وإضافة الكثير من ظواهر التمصير المشتركة ومسرحيات ممصرة.

ميدل إيست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى