كرة الثلج (محمد صلاح)

محمد صلاح

طال أمد العصيان المدني في بورسعيد، وزحف إلى محافظات ومدن وأحياء مصرية أخرى، بينما يسير الحكم في طريقه غير معتد بما يجري حوله، وما زال يتحدثُ عن مؤامراتٍ تحاك، وتحريض يمارس، وطامعين في مقاعده يدبرون بليل. وفيما تتدهور الأحوال المعيشية للناس، ويزداد الاقتصاد سقوطاً والخدمات سوءاً، يروج الحكم إلى أن أفعال المعارضة وإرث الماضي وفساد الدولة العميقة هي الأسباب، وليست أخطاءه أو سوء الإدارة، وفشل السياسة، وندرة الكفاءة لدى القائمين على أمور البلاد.
وتدور معركة «اللحية» بين ضباط الشرطة الملتحين وبين كل أجهزة الدولة، بما فيها القضاء، بينما حال الأمن مهترئ ومرتبك ولا يسر عدواً أو حبيباً، ولو بذل هؤلاء الضباط نصف الجهود التي استنزفوها وهم يسعون إلى إطلاق لحاهم، في العمل من أجل عودة الأمن إلى وضعه الطبيعي لخرج الناس واحتشدوا لدعمهم في منحهم حق «اللحية»! إنها تناقضات تعكس الحال المصرية التي لا تختلف كثيراً عن ارتباك يضرب مصر، وأشياء وعكسها تحدث في آن، منها مثلاً أن الحكم بكل مكوناته يسير في إجراءات الانتخابات البرلمانية بعد شهرين من دون أن يحل مشكلة واحدة، أو يوقف الاحتقان، أو يتجاوب مع مطالب المعارضة، أو حتى بعضها، في الوقت الذي لا تتوقف فيه القوى الأخرى -غير الإسلامية بالطبع- عن التحذير من أن إجراء الانتخابات سيعصف بالبلاد طالما بقيت أسباب التهاب الشارع قائمة، بل تعتقد هذه القوى أن الانتخابات لن تُجرى أصلاً، وأن ما تبقى من وقت حتى يحل موعدها سيشهد تطورات ستجبر الحكم على إعادة النظر فيها!
وفي الوقت الذي كان وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم يتحدث مدافعاً عن الشرطة، نافياً أن يكون حوَّل الجهاز الأمني إلى عصا لـ «لإخوان»، كان نشطاء يطلون على الناس عبر برامج تلفزيونية يروون أهوالاً قالوا إنهم تعرضوا لها على أيدي الشرطة، وحكوا بالتفصيل وقائع تتعلق بخطفهم من الميادين أو تخوم التظاهرات، ونقلهم إلى معسكرات أو مقار أمنية جرى فيها تعذيبهم وإهانتهم بصور لا تختلف، إن لم تزد عما كان يحدث في عهد النظام السابق. وعندما كانت النيابة العامة تحيل المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق وأفراد في أسرته وآخرين على محكمة الجنايات في قضية تتعلق بالتربح واستغلال النفوذ، وتعلن أنها خاطبت جهاز الشرطة الدولي (انتربول) لملاحقة شفيق والقبض عليه وتسليمه إلى مصر لمحاكمته، كان ناشطون يقفون أمام مقر النائب العام محتجين على تجاهل بلاغات تتهم مسؤولين في الحكم ووزارة الداخلية بقتل متظاهرين واحتجاز وتعذيب آخرين. كما كان صحافيون ينظمون فعاليات احتجاجية للمطالبة بكشف تفاصيل واقعة قتل زميلهم الحسيني أبو ضيف مع آخرين عند قصر الاتحادية، مستغربين «الطرمخة» على ملف أحداث القصر الرئاسي، التي راح ضحيتها نحو عشرة أشخاص، إضافة إلى عشرات الجرحى، مقابل تسريع الملاحقات الأمنية لمنافس الرئيس في الانتخابات.
الأوضاع على الأرض لا تشير أبداً إلى إمكان إجراء الانتخابات في موعدها، وتكفي متابعة ما يجري في مدن القناة عموماً وبورسعيد خصوصاً للتأكد من ذلك، وما رُوي عن وقائع التنكيل بالمعارضين كان على الملأ، وتابعته الملايين، ويستحق من النيابة أن تباشر تحقيقاً تفصيلياً. كما أن واقعة قتل أبي ضيف أثارت الرأي العام، وهي جرت على مرأى من الجميع بعد هجوم شباب الإخوان على المعتصمين عند قصر الاتحادية، وهناك اتهامات وجهت من ناشطين إلى الشرطة وأجهزة الحكم بالضلوع فيها، فإذا كانت تلك التهم صحيحة، وجب على النائب العام التحقيق مع وزير الداخلية نفسه والقائمين على عمليات التعذيب، وإذا كانت مجرد ادعاءات من جانب بعض المعارضين للإساءة إلى الحكم يتعين عليه التحقيق مع مطالبيها وعقابهم!! تلك التناقضات وهذه الوقائع تشير إلى أن الحكم لا يلتفت أبداً إلى ما يجري في الشارع، وما يدور حوله، وما تعيشه البلاد ويعانيه العباد. وواقع الأمر أن الرئيس لم يعد يستطيع أن يسير في أي شارع، أو يذهب إلى أي مدينة، أو يزور أي محافظة في ظروف طبيعية، بل هناك من يعتقد أن الدكتور محمد مرسي يحكم القاهرة فقط، وربما ليس كلها، بينما يصر مرسي ومعه باقي رموز الحكم في الحكومة والحزب والجماعة على أن ما يجري لا هو احتجاجات ولا هو عصيان وإنما سعى لإفشال الرئيس، أو التصدي للمشروع الإسلامي!! مثل كرة الثلج تزداد الأزمة المصرية تعقيداً والمؤشرات تؤكد أنها ستكبر إلى درجة قد تسحق تحتها الحكم والمعارضة والشعب.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى