كتاب الموقعنوافذ

كلام بين يدي شاعر

كلام بين يدي شاعر.. “الويل لأمة كثرت طوائفها…وقلّ فيها الدين”

جبران
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“منذ أربعين عاماً، عندما كنت في الخامسة عشرة، عثرت في طريقي على ورقة نقدية من فئة جنيه .

منذ ذلك الوقت لم أرفع وجهي عن الأرض.

والآن…

أستطيع أن أحصي ممتلكاتي، كما يفعل أصحاب الثروات في نهاية حياتهم. فأنا أملك: 2917 زراً ، و 3417 دبوساً، و12 سنّ ريشة، و13 قلماً، ومنديلاً واحداً، وظهراً محنياً، ونظراً ضعيفاً، وحياة بائسة !

هذه القطعة ـ النص الجارح من قصة لأنطوان تشيخوف، تختصر جزءاً هاماً من النوع البشري الذي تمنحه الحياة القليل من مفردات الحياة، في كرةٍ أرضيةٍ مليئةٍ بالثروات.

هذه القطعة يكتبها من حدّق طويلاً بالأقدام، وهي تتشقق في دروب متعددةٍ ،اتجاهاً مُنهكاً لمصير مسنن وجارح إلى هذا الحد.

وهذه كتابة على جدارٍ بأظافر مفرطةٍ في خرمشة الواقع، ولكن لا بد منها. فالكاتب مناضل من النوع الذي لا يعرف معنى هزيمته، أمام الصمت، ولا يقرّ بصمته، فصمت الكاتب تآلف مع النسيان.

خطر لي أن أفتتح شهادتي بشوقي بغدادي، بجزء من قصة هي من فصيلة الشجرة الروسية التي يحبّ ظلالها شوقي بغدادي القاص. مدركاً أنه حاول، بهذا القدر من النجاح أو ذاك، أن يكتب المسعى السوري في حكايات مأزق هذا الإنسان، في هذه الجغرافيا. مأزقه الذي تصنعه، للأسف ، الأوطان.

لكنني أعرف أن أشواق شوقي الشاعر كانت في قصيدته التي ما زالت، وهي بعيدة في زمن الكتابة، يانعة كما لو أنها، اليوم، مكتوبة بقلم الكهل الذي جبلته الأيام أكثر فتوة، ليعود القديم على الجديد بنكهة من لا يعتريه اليأس من واقع هذه البلاد، ومن نصٍ مكتوب عن احلام هذه البلاد.

شوقي…كان، وهو الفتى الشيوعي ، مشبعاً بروح الفطنة التي للطبيعة، وبروح تلك الأيام المجيدة للأمل الإنساني، كان يرى عالماً يزول منه الظلم ليتبدد فيه الظلام. وكان حالماً شبه محترف، ككل أبناء جيله بالمستقبل الآتي على ظهر الثورة، الحامل ضوء النهار في فكرة، وشعار، ومسيرة جموع المضطهدين.

كتب شوقي أشعاره في ضوء تفاعله مع الأمل…ثم كتب، بعد سنين وخلال سنين، تناثره في تناول الخيبة، وفي الكتابين وهج النار المقدسة للشعر، وحرارة قلب الشاعر، حين تأتي لحظة الحب وتنثر بذورها في هواء الأرض، وباطن الأشياء، ووجدان اللغه .

أنا أحب هذا الرجل الشاب، المدجج بثروة البسيطة والثرية، التي أمتلكها، كبطل تشيخوف، عبر دروب الوطن، وفوق أرض لم تعثر، بعد، على تلك الأقدام الجسورة لتحريرها من كل احتلالاتها، واختلالاتها.

بدلاً من آلاف الأزرار… لم يمتلك شوقي بانتظارها سوى عراويها، وبدلاً من دبابيس تشيخوف…كان لدى شوقي وخزاتها.

وبدلاً من المناديل كان لديه دموعها.

هذه هي الثروة…فأين ذلك الوعد الغائب…الوعد الموعود كأنه يقين الصباح…هذه هي الثروة فأين هي الثورة؟

أخي شوقي بغدادي…

من اسمك: شوقي، نكتفي بتلك الذاكرة المحملة بالشوق.

ومن كنيتك: بغدادي، نحصد المزيد من القصب النائح على دمار الشام وبغداد.

ومن شَعرك الأبيض، ومن شِعرك الأبيض…ينسج العمر الجميل وسواه كنزة لشتاء قاس طويل.

شوقي، أرجو أن تبقى بيننا قدر ما تستطيع،

فليس عدلاً ألا يبقى من فصيلتنا أحد.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى