للمرّة الأولى منذ «نبع السلام»: طريق حلب – الحسكة سالكة

 

يعكس مشهد الدوريات الروسية – الأميركية المشتركة على مقطع طريق تل تمر – عين عيسى، على الطريق الدولي حلب – الحسكة، للمرّة الأولى منذ بداية الحرب على سوريا، التنافس الأميركي الروسي المستمرّ على النفوذ شمال شرق سوريا. ورغم الانسجام الظاهر في التواصل والتنسيق بين القادة العسكريين للدولتين في الميدان الشمالي، والاتفاق على مشاركة الآليات الأميركية القافلة الروسية الخاصّة بنقل المدنيين على الطريق الدولي، فإن ذلك، من جهة أخرى، يبعث برسالة من واشنطن باستمرارية تأثيرها على الطريق، رغم انسحاب القوات الأميركية من ريفي الرقة وحلب، بعد الهجوم التركي الأخير على المنطقة في عملية «نبع السلام». كما يظهر انتشار رايات ونقاط وحواجز الجيش السوري و«الأسايش» الكردية، إضافة إلى فصائل الجيش الوطني المدعوم تركياً، التركيبة المعقّدة للصراع الدولي على النفوذ في الشمال والشرق السوريين.

وأثمرت المفاوضات المكثّفة بين الجانبين الروسي والتركي، نجاح جهود موسكو في إقناع الأتراك بإعادة فتح طريق عين عيسى – تل تمر على الطريق الدولي «M4»، بعد أكثر من سبعة أشهر على إغلاقه نتيجة عملية «نبع السلام» التركية. ووفق المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر ميدانية، فإن الفتح تمّ «بعد قبول الجانب التركي بإبعاد قسد عن الطريق، ونشر وحدات الجيش السوري جنوبيه، مع وعود بعدم عودة انتشارهم على الطريق مرّة أخرى». وأضافت المصادر أن «الجانب التركي كان يبدي إصراراً على إخلاء حاجزي الأسايش على مدخلي تل تمر وعين عيسى، لكن هذا لم يحدث، ولم يُعلم كيف تمكّن الروس من إقناع الأتراك بالتخلّي عن هذا المطلب».

بدوره، أكّد المسؤول في مركز التنسيق الروسي في حميميم، الجنرال بافل كاريوف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «هذه الخطوة جاءت بعد مباحثات روسية تركية طويلة، اتفقنا فيها على إعادة فتح الطريق»، مبيّناً أن «البداية كانت بتسيير قوافل سفر للمدنيين بين تل تمر وعين عيسى، وأُلحقت لاحقاً بقوافل تجارية». ويلفت الجنرال الروسي إلى أن «الجانب الروسي سيؤمّن لكل السوريين الانتقال بين البلدتين عبر قافلتين يومياً من تل تمر إلى عين عيسى وبالعكس، الأولى في الساعة التاسعة صباحاً، والثانية عند الواحدة ظهراً». من جهة أخرى، أكّد ضابط ميداني في الجيش السوري، لـ«الأخبار»، أن «الجيش انتشر على كامل الجزء الجنوبي من الطريق الدولي حلب – الحسكة، وقام بتأمينه بشكل كامل»، معتبراً أن «وجود الجيش على مسافات متقاربة على الكتف الجنوبي من الطريق، يعطي حالة أمان للسكان والقوافل التجارية لعبور الطريق بأمان واستقرار».

من جهته، قال مسؤول الشؤون المدنية في «قسد»، ريزان كلو، في تصريحات إلى وسائل إعلام كردية، أن «ضغوط قسد على الجانب الروسي نجحت في إعادة فتح الطريق»، مؤكداً أنهم «يسعون لفتح الطريق بشكل دائم ونهائي أمام حركة المدنيين والقوافل التجارية، من دون الحاجة إلى المرافقة العسكرية الروسية»، معتبراً أن «هذا الأمر لن يتم من دون ضمانات روسية بإبعاد المسلّحين (المدعومين من أنقرة) بشكل نهائي عن الطريق لتأمين الحماية الكاملة له».

ويأتي فتح الطريق، الذي يمتدّ على أكثر من 140 كلم، بعد عدّة أشهر على إعلان الجيش السوري تأمين كامل الطريق، وإعادة فتحه أمام حركة المسافرين والقوافل التجارية، نهاية العام الماضي. إلا أن الإعلان تعطّلت مفاعيله حينها، نتيجة الخروقات التركية المتكرّرة على الطريق، ومنع «قسد» المدنيين من الوصول إلى الطريق، وتحويل مساره باتجاه طريق الحسكة – الرقة القديم (طريق أبيض). وبرّرت «قسد» خطوتها حينها بانعدام الثقة بالوعود التركية، والخشية من ارتكاب مجازر جماعية بحقّ الأهالي العابرين للطريق، لعدم وجود ضمانات روسية كافية، بمنع المسلّحين من قطع الطريق. وستؤدّي إعادة فتح الطريق إلى تخفيض ساعات الوصول إلى مدينة حلب من 10 ساعات، إلى أقل من 7 ساعات، ما يؤدّي إلى تخفيف معاناة المدنيين في التنقل، مع انخفاض في أسعار السلع، لانخفاض تكاليف نقلها. كما سيسهم في انسيابية نقل المنتجات الزراعية، كالقمح والشعير، من الحسكة باتجاه باقي المحافظات السورية، وهو ما سيعيد النشاط للتبادل التجاري بين المحافظات الشرقية وبقية المحافظات.

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى