أنسام صيفية

محاكمة التاريخ مستمرة

 

حين يحاكم الناس عادة تاريخهم الشخصي، أو العام ترى أن معظمهم يبالغون في الحكم له أو عليه ، و لعل خير مثال على هذه الظاهرة هو ما تعرضت له المذاهب و الفلسفات المختلفة عبر التاريخ من تعصب و تراجع و إنهيار وخاصة تلك التي توصلت إلى إرتقاء سدة السلطة ردحا من الزمن ثم فقدتها كثورة ” كومونة” باريس عام 1848 و الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وغيرهما، فإذا قصرنا الحديث مثلاً على التجرية المسماة شيوعية بلشفية في الإتحاد السوفياتي وجدنا أن معظم الذين راجعوها و حاكموها كانوا متعصبين متطرفين في إدانتها ، أو في الدفاع عنها ومن هنا صار ضرورياً للغاية البحث عن منطق آخر لا يبالغ في إدانة هذه التجربة إلى حد التبرؤ من الإشتراكية ولو كان ذلك كحلم للبشرية لا يسعها التخلي عنها وهي تواجه الوحشية التي يتصف بها حتى الآن النظام الرأسمالي الذي تقوده الدول المستكبرة والأقوى في العالم ، أو المنطق الآخر الذي يدافع عن التجربة السوفياتية فيكاد لا يعترف بأي خطأ إرتكبه قادتها ، بل تراه متعلقاً بأهداب نظرية المؤامرة ناسياً أسباب الإنهيار الفعلية وهو يتهم المتواطئين والمتآمرين الخونة من المندسين في الحزب الشيوعي و أنصاره..

هذا المنطق الذي يتحكم بالمبالغة في الإدانة أوالدفاع عن تجارب الإشتراكية المتعددة التي حصلت فعلاً ثم فشلت لا يساعد حقاً على الخوض في أدغال الطموحات البشرية الآمنة لا خيار منطق آخر في نوع السلطة الإشتراكية العادلة قولاً و فعلاً كواقع ممكن للبشرية لا يتصف بالعيوب التي وقعت للمحاولات المسماة اشتراكية سابقاً.

ما من شك في أن الوصول للحقيقة المطلقة للتطور البشري مطلب في منتهى الصعوبة و خاصة لأن التاريخ البشري متحرك متغير بإستمرار ، ويزداد تحركاً وتغيراً مع تقدم البشر من جهة وتفاقم الأخطار المحيطة بالكوكب الذي نعيش فوقه من جهة أخرى غير أن شرف المحاولة يجب أن  يشجعنا بأن محاكمة التاريخ لا بد من القيام بها كي نتجنب الأخطاء الموجعة التي ارتكبناها حتى الأن كي يغدو دورنا في هذه المحاكمة هو دور الشاهد الأمين في توخي الحق فيما  يقوله أو يتصرف به مهما كانت التحديات .

وسواء من بعدها كان التاريخ بريئاً أو مداناً فما من شك أن قضاة آخرين أكثر نزاهة سوف يعقدون أمرهم لمحاكمة أخرى للتاريخ البشري أعمق إنصافاً، وأن واجبنا عندئذ هو أننا جميعاً مطالبون بمساعدتهم في الوصول إلى الحقيقة أو الإقتراب منها على الأقل أبعد فأبعد عن السطحية و التعصب المبالغ فيه …

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى