شرفات

محطة في تاريخ التصفيق : ماذا فعل نزار علي بدر لكي لا يصفق؟!

 

هكذا ببساطةِ فنانٍ مبدع، رتّبَ النحات السوري (العجائبي) نزار علي بدر عشرة أحجار، وعلى الأكثر عشرين حجراَ، فشكَل لوحة أدهشت العالم!

بيدين بارعتين، وضع كلَّ حجر في مكانه، وتركنا للدهشة، فإذا بلوحة الهجرة من الوطن تصرخ في وجه البشرية كلها، وتجعل ملايين المشاهدين في العالم يبكون مأساة العصر السورية، ويتعاطفون معها، وكأن الحجر كأن أقوى من كل الأصوات التي صدرت لتكشف عمق هذه المأساة التي سببتها الحرب المشتعلة منذ عقد من الزمن تقريباً !

وهذا السوري (الفنان)، كان قادراً على إدهاشنا مرة أخرى، ودون أن يصنع لوحة جديدة، عندما ظهر على الشاشة من جديد، وقد علق على رسغيه عشرات الأحجار الصغيرة، وقال إنه أثقل رسغيه بهذه الحجارة ، لكي تعجز يداه عن التصفيق !!

يا إلهي !

أي صفعة هذه في وجوهنا ووجوه العالم؟!

كانت صفعة قادرة على التأثير بمن سمعها، بل وجعلتني أفكر جدياً أن أضيفها تلقائيا إلى تاريخ التصفيق في العالم، فأسجل أن ثمة سورياُ كان أول إنسان في العالم أثقل يديه بالحجارة لكي لا يصفق، فلا ينافق، ولا يفرض في وطن!

فهل نحن قادرون فعلاً على أن نتخذ قراراً جدياً بعدم التصفيق؟!

تذكرت قصتي التي كتبتُ عنها، قبل أكثر من عشرة أعوام، عن تكريم الشاعر الراحل ممدوح عدوان، وقلت فيها إنني لا أصفق عادة في المناسبات والمهرجانات، ولكني عندما شاهدت ممدوحاُ يصعد خشبة المسرح محمولاً على نقالة لتكريمه، لم أتمالك نفسي، فنهضت من مقعدي في دار الأوبرا وشرعت بالتصفيق وأنا أبكي!

في (تاريخ التصفيق)، نتعرف عليه كوسيلة للتعبير في محطات مختلفة من الأمكنة والأزمنة، من بينها أنه كان موجوداً عند الفراعنة والإغريق، وقد دلت الرسومات والمسرح على ذلك. وفي روما، كان نيرون يجمع الآلاف في الحفلات العامة، ويطلب  منهم التصفيق، وكان الوعاظ يستخدمونه وكذلك تلقف السياسيون الفكرة، وأدخلوه في لعبة العلاقة بينهم وبين الجماهير .

بالمعنى العام،  كان (التصفيق)، في مختلف المراحل، وسيلة تواصل يتم التعبير من خلالها  عن الغضب أو الفرح، ورصد ردود فعل الناس، وكان أيضاً، وهذا هو المهم، وسيلة للنفاق السياسي الاجتماعي والفني.

وفي برامج التلفزيون المعاصرة ثمة مختص يقود عملية إرشاد الجمهور في الاستوديو إلى التصفيق..

فلماذا كبّل نزار علي بدر يديه بالحجارة لكي لا يصفق؟!

ربما لأنه لا يريد أن تتلوث اليدان المبدعتان بالنفاق، فهذا العصر، عصر النفاق.. والنفاق، يغطي على جوهر المشاعر، وما نحتاجه نحن في هذا العصر هو الوضوح والصدق والولاء للوطن مهما كلّف الثمن، ويفترض أن لا نصدق هذا الولاء الوطني لمجرد أن صاحبه منافق وقادر على الخداع !

يقول نزار علي بدر بصراحة ووضوح إن الغرب هو أول من التفت إليه، (كرر العبارة أكثر من مرة)، فتلقف هو هذه الفرصة، وأخذ يبعث برسائل السوريين إلى العالم بفن يمكن أن نقول عنه إنه (أنطق الحجر).

ألا يحق لنا أن نضيف حجارة نزار علي بدر المربوطة في رسغيه إلى تاريخ التصفيق في العالم ؟!

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى