شرفات

قصة حب شامية

عماد نداف

بقيتْ نحو ساعة من الزمن، هي الساعة التي تفصلُ بيننا وبين أذان المغرب، و على أمي أن ترتاح قليلاً، بعد أن هيأتْ طعامَ الإفطار في المطبخ، وما أن جلستْ لترتاح، حتى وقعتْ تلك الحادثة الرهيبة .

سقطتُّ على الأرض، مثل أولئك الذين يقعون في الساعة، يقولون عنهم في الشام (مصاريع)، والبابُ المصروع هو الذي خُلخلت مفاصله، ولم تعدْ حركتُه توافق الإطار الذي يحتويه. وهذا ما حصل معي، هاجمني السوادُ وعاركتُه، فعاركني، فغلبني، فوقعتُ ارتجفُ كمصاب خرج عارياً من الحمام إلى الشارع في يوم باردْ، وقد تصلّبت أطرافي كقطعة خشب!

ركضَ أخي حمزة نحوي، لأنه كان الأقرب إلي، وركضتْ أختي سعاد، وعندما انتبهت أمي، ركضتْ تصرخ بلهفة وخوف، ولا أحد يعرفُ لهفة أمي إلاّ من شاهدها وهي ترشُّ فمي بالماء، وتهزني باكية: ابني. حبيبي. احكِ. قلْ شيئاً. كيف وقعت. يبدو أنك عطشت اليوم. كان يجب أن لا تصوم. لم تشربْ الماء عند السحور. اليوم كانت الشمس حادة على الصائمين.

انتاب أمي سيل جارف من التعابير والأحاسيس والحزن والخوف، أما أنا فقد ازداد ارتجافي إلى أن توقف بعد نحو دقيقة.

ركضت أختي سعاد تسعى للخروج من البيت لتبحث عن أبي. وجدَته يدخل من الباب . أخبرته:

ــ بابا.. بابا .. عباس يموت !

صاحت أمي :

ــ فال الله ولا فالك .. الصبي تعبان يارجّال، يمكن أغمي عليه من الصيام !

ركض أبي نحوي. حضنني، همس يواسي نفسه: ” لا حول ولا قوة إلا بالله”. قرأ القرآن: قل أعوذ برب الفلق. قرأ رقوة يحفظها: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ ..

هدأ جسدي. اطمئن أبي، ثم انتصبَ في الغرفة ورفع صوته كأنما تذكر شيئاً :

ــ يا ألله . نسينا الضيف .. تفضل . تفضل أيها يا ضيف الرحمن!

وخرج من باب الغرفة بسرعة، وعاد ومعه رجل فقير. عرّفنا به: هذا الحطّاب ضيفنا اليوم على الإفطار، وتوجه نحوه وقال :

ــ لا تؤاخذنا. ابني وقع في الأرض مغشيا عليه. يبدو أنه تعبٌ من الصوم . قلت لهم بكير على صيامه، فلم يسمعوني ..

تغيّر وجه الحطاب. تمتم بحزن: خير إن شاء الله . خير. ما كنتُ أحسب أن وجهي نحس عليكم.

ملاحظة : هذا المقطع من مخطوطة روايتي التي أشتغل عليها ، وهي عنوان : الجبل الأحدب (قصة حب شامية) .

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى