شرفات

الدكتور عصام نور الدين الإنسان المنتمي

عماد نداف

 

هكذا ببساطة ، طوى الباحث الكبير الدكتور عصام نور الدين الصفحات الجميلة من حكايته مع فكره وبحوثه وانتمائه.. ومعنا، ورمى القلم لنا، ومضى إلى رحمة الله، وكانت آخر معركة له مع المرض، فصمد في وجهه ما استطاع، ثم أغمض عينيه، وتركنا لنحكي عنه.

أستعيد آخر رسالة منه في شهر رمضان الماضي، فأسمع صوته من خلال حروفها، وكأنه هنا أمامي في الشام، ونحن نشرب القهوة في فندق الداماروز أو في فندق الشام أو في مبنى التلفزيون السوري :

أخي وصديقي العماد ،

تحياتي وتحيات زوجتي لك وللسيدة الكريمة منى، أتمنى لكم  شهر صيام مقبول ، وأرجو أن تتمتعوا دائماً بالصحة والأمان والسعادة المبدعة.

وإني إذ أعتذر عن عدم الرد على رسالتك القديمة نتيجة وضعي الصحي …فإني أخبرك أني أعاني من مرضي الدائم على الرغم من العناية الطبية المؤمنة هنا على أحسن وجه…

أشكر لك مرة ثانية سؤالك عني ، وأتمنى أن أستطيع العودة إلى لبنان لأزوركم في دمشق أو لتشرفونا أنتم في لبنان.

وإلى اللقاء أيها الغالي على قلبي وعقلي .

عصام.

لم نلتق في الشام، ولا في بيروت، ومن يدري كم سنعيش بعده في هذا الموج المتلاطم من حولنا على الأصعدة كافة، لكني قادر الآن على استعادة معرفتي به في بيروت في منزل السفير الصديق آصف ناصر، عندما كنتُ أصور ثلاثيتي الوثائقية (أيام دافئة) عن مرحلة الحرب العربية /الإسرائيلية في تشرين عام 1973 .

الحوار بيننا أنتج صداقة دامت أكثر من ربع قرن ، وفي هذا العمر المديد من صداقتنا كان التواصل بيننا دائما عندما يزور دمشق أو عندما أزور بيروت، وكان سفره إلى باريس هو المحطة الوحيدة التي كنت أشعر فيها أنه يبتعد ، لكنه عندما وقعت الحرب على سورية والسوريين، اندفع كطائر حلم قادم من السماء ليتصل بي، ويخبرني أنه أخ لن يتراجع عن صداقتنا وهو في باريس، وخيّرني، وكنا كسوريين في حمى القتل والإرهاب والبؤس والدمار نعانى ماعاناه اللبنانيون في سبعينيات القرن الماضي، خيّرني إذا كان بقائي خطرا عليّ وعلى أسرتي، أن أسافر إلى لبنان، وانتقي بيتا من بيتيه في بيروت أو في الجنوب، وأسكن في أحدهما ريثما تتراجع وطأة الحرب.

ليس هذا فحسب، بل كان دائما يتصل ليسأل عما إذا كنت بحاجة إلى أي دعم مالي ليقدمه لي من أخ لأخيه، وكان الدعم الذي أتلقاه هو لهفته وموقفه الفذ والجميل في تفسير ما يحصل، ناهيك عن موقفه الإنساني.

هذا هو الدكتور عصام نور الدين، الذي تحوم روحه الآن حول أوطاننا تراقب مايجري، وتتمنى لو أنها على الأرض لتحكي عن حقيقة العدوان على غزة، وحقيقة مايرسم لهذه المنطقة من العالم .

توفي الدكتور عصام نور الدين قبل نحو أربعين يوما أي في يوم الجمعة 15 كانون الأول/ديسمبر 2023 في باريس ” كما الصديق والحبيب والرفيق .. الذي أضاء حياتنا بعطاءاته الفذة في ميدان اللغويات، كما السياسة، رحل تاركًا وراءه إرثًا ثريًا من المعرفة والإلهام..” كما جاء في نعوته التي نشرتها زوجته الرائعة خديجة أبو ظهر، وأولاده المبدعون  تمام ووائل وعَدي..

لا أستطيع أن أستعيد ذكراه إلا كقامة كبيرة من قامات أمتنا التي تركت كنزا من المعرفة والبحوث والعلوم اللغوية، تماما كما تركت كنزا من الوفاء لأهله وأصدقائه ومحبيه .

لك الرحمة ياصديقي ..

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى