شرفات

حكاية القلب والحب والسهام الجارحة

عماد نداف

منذ كنا صغاراً ارتبط مفهوم الحب في حياتنا بالقلب، وكنا نرسم القلوب على دفاترنا، وعندما نقع في غرام إحدى الفتيات نبادر إلى رسم الحرف الأول من اسمها والحرف الأول من اسمنا على طرفي القلب المصاب بسهم دام، وننقل هذا الرسم إلى كل الأوراق، وهناك من يرسمه على جدران الحارة أو المدرسة  .

لا أعرف من هو مخترع فكرة التعبير عن الحب بقلب وسهم يخترقه، لكني قرأت أن هذا الابتكار البشري الذي يربط بين الحب والقلب قديم، وله علاقة بالأساطير، والأهم أن هناك فكرة مفادها أن القلب يرتبط بعصب مباشر مع البنصر، فأدت هذه الفكرة إلى تقليد يطلب من العاشقين وضع خاتم الحب في هذا الإصبع .

ورغم أن الشعوب ومن ثم الفلاسفة اهتموا بهذه المسألة، فإن باولا فيندلين مؤرخة العلوم والطب في جامعة ستانفورد (Stanford University)، كما جاء في موقع على الشابكة، تقول : إن الأمر لا يتعلق فقط بعلم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، ولكن يتعلق أيضا ب

، وتوضح فيندلين أن فلاسفة مثل أرسطو وغالينوس قبلوا التسلسل الهرمي للجسد، حيث ترتبط الأعضاء التناسلية والكبد والجهاز الهضمي بالجسد، بينما الدماغ هو مقر العقل والمنطق، والقلب هو الذي يسدّ الفجوة الموجودة بينهما، وموقع القلب يثبت تلك الفكرة لأنه يقع بين الكبد والدماغ.

صديقتنا الكاتبة جهينة شبوع، وعلى مدار إصدارين سرديين متتاليين لها عن الحب هما : (أصل الحكاية ، حكاية حب) و،(وأوراق الحب)، أوقعتنا في الحيرة، فلم تعد المسألة تتعلق بهذا العصب الذي يصل بين القلب والأصبع، بل اندفعت في المسألة أبعد من ذلك ، فالحب بالنسبة إليها يبدأ مع الأم باعتبارها الحضن الأول للإنسان ثم الوطن، وبعد ذلك تتجه نبضات القلب إلى الأسرة والزوج أو الحبيب والناس،أي هو (لغة إنسانية) في العلاقات العامة تنمو بمستويات مختلفة .

يعنى ببساطة أصبح القلب بالنسبة للكاتبة جهينة شبوع مفتوح على الحياة البشرية بمجموعها، وهذا يعني أن القلب ينبغي أن لايغلق على كائن واحد حتى لو كان قلب روميو أو قلب جوليت أو قلب قيس أو ليلى.

راقت هذه الفكرة لي، لكني أعتقد جازماً أن أحداً لايعرف من هو المسؤول عن الحب، هل هو العقل، هل هو القلب، هل هي الروح، لأن المسألة تتعلق بمجموع آليات العمل التي تربط بين الإحساس والشعور.

المهم أنني عدت من احتفالية توقيع المجموعة القصصية (أوراق الحب) إلى البيت قبل أيام، وبحثت في ملخصات الكتب في دفاتري العتيقة عن فكرة أخرج منها بنتيجة، ففاجأتني لوحة صغيرة رسمتُها بقلم الرصاص وعبارة مجاورة لها كتبتها قبل أربعين سنة، وفيها يتحول القلب إلى حجر محاصر بدروب ضيقة، وكأنني أكثف اليأس الحضاري بفكرة سوداوية، فهل يمكن أن يتحول القلب إلى حجر؟

هذا ما يحصل في هذا العالم ..

ولكي نعود إلى عفويتنا وإنسانيتنا أدعو الجميع للعودة إلى صدقنا القديم، فيقوم كلُّ واحد منا برسم قلبٍ ما على دفتره ويخط على جنبيه الحرفين الذي يشعر أنهما على ترابط مع إنسانيته، وعندها أعتقد أن العالم سيعود ويتغير ويتحطم الحجر الذي رسمته على دفتري قبل أربعين عاما .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى