خاص
المفتاح الأساسي لفكرة مسلسل (الخائن)، الذي أثار اهتمام المشاهد العربي ، رغم أنه كان عرض بطريقة الدوبلاج من إنتاج تركي، هو التمثيل وتقديم الشخصيات وفق الحاجات التي تحتاج إليها في وقائع حياتية مماثلة.
ورغم تفعيل التتابع والمفاجآت في الأحداث والمشاهد والبذخ في الإنتاج، إلا أن القصة الدرامية مطروقة، وليست غريبة على أي مشاهد، ومع ذلك بدأت لعبة التشويق من الشعرة التي تكتشفها الزوجة المستقرة الآمنة على معطف زوجها، إلى توليد الأحداث عبر دوامة من الشك، لتصل بنا أو لتدفعنا لمتابعة أكثر من تسعين حلقة تلفزيونية للتعرف على مصائر الشخصيات والأحداث التي تستجد بين لحظة وأخرى، وتجعلنا مسمرين وراء الشاشة .
ومسلسل (الخائن) الذي حشد مجموعة من نجوم الدراما : سلافة معمار (أسيل)، قيس شيخ نجيب (سيف)، مرام علي (تيا)، ريتا حرب (نورا)، جينا أبوزيد (أمل)، خالد شباط (سامر)، إيلي متري (سالم)، تاتيانا مرعب (جمانة)، جلال شموط (الأب)، قيس صبح (يزن)، وغيرهم من الممثلين حقق متابعة واسعة في قياسات المتابعة الدرامية، كما كتب الكثير عن ردود الأفعال حوله، بل إن الفنانة مرام علي لم تصدق هذا (النجاح) لذلك وقعت في الغرور عندما أعلنت في تصريح لها أنها لاتهتم بانتقادات وجهها عدة آلاف طالما تابع الملايين المسلسل.
أخطر مافي (الخائن) أنه يعيد إنتاج الخيانة الزوجية درامياً، فهي ثيمة، تناولتها السينما العربية، والدراما التلفزيونية من دون كلل، وأضافت (الغيرة) ومراحل الاشتعال فيها جاذبية خاصة لأحداث المسلسل، نتيجة توليد الأحداث الفرعية الساخنة القائمة على أرضية (الفعل ورد الفعل) بين الشخصيتين النسائيتين اللتين تتمحور حولهما الخيانة وتأثر الآخرين بهذه العملية .
في هذه الحالة، لايمكن الحديث نقديا عن المسلسل من بوابة سرديته وأحداثه رغم وجود فجوات ومبالغات وأخطاء ، لكن لابد من البحث عن عوامل النجاح الأخرى التي أضفت على ترويجه معطيات ينبغي الوقوف عندها لأثرها الكبير على صناعة الدراما السورية والعربية، وأهمها (التمثيل)، لأنه الحامل القادر على تقديم رؤية السيناريو والإخراج في رؤية من هذا النوع.
والتمثيل يواجه مرحلتين صعبتين : أولهما انتقاء الممثل، وثانيهما اختبار تعامل الممثل مع الشخصية التي يلعبها، وهذا الجانب يعيد الأهمية للممثل السوري، في معادلة الإنتاج الدرامي التشاركي الذي يجري حاليا في سوق الإنتاج ، وفي الوقت نفسه يؤشر إلى مهارات تفرض نفسها عند الممثل اللبناني الذي كان موجودا بفعالية وفرض نفسه ونجح .
كان الممثل في مسلسل (الخائن) كان أحد أبرز عوامل النجاح بعد السخاء الإنتاجي الذي قدم سحرا في الصورة والمكان والملابس والإكسسوارات والمونتاج والإضاءة وغيرها من أدوات صناعة الدراما..
لماذا التركيز على التمثيل؟ وهل كان نجوم العمل هم العامل الأبرز على هذا الصعيد؟
نعم ، هذه هي وجهة النظر التي ينبغي الوقوف عندها، فالفنان قيس الشيخ نجيب ، فنان ناجح، وتمكن من تحقيق نجومية تستحق الاهتمام في حياته الفنية، وقد يكون تكرار المشاهد والعدد الكبير من الحلقات، أوحى بأنه يؤدي دورا عادياً، لكنه ملأ الدور بما يحتاجه، ونجاحه لايحتاج إلى تنبيه. وكذلك الفنانة سلافة معمار النجمة المعروفة والممثلة القديرة التي حملت العمل بجدارة وقدمت الشخصية بأسلوب خرج عن لعبة (الضراير) في السرد، لكن ما أن ندقق في تركيب الشخصيات، ومسؤولية الممثل تجاهها حتى تفاجأ بثلاث شخصيات تستحق التنويه في أداء الممثل الذي قدمها أمام الكاميرا، وهي :
شخصية (سامر) التي لعبها الفنان النجم خالد شباط، وشخصية (تيا) التي لعبتها الفنانة مرام علي إضافة إلى شخصية (يزن) التي لعبها الفتى قيس صبح . وهي شخصيات تفرض على الممثل التي يؤديها نضجا أكبر بكثير من مسألة الوقوف أمام الكاميرا وترديد الحوار برشاقة، فهي تحتاج إلى لغة جسد وتعابير وجه وأحاسيس وردود أفعال صحيحة، إي تحتاج إلى فهم حقيقي لطبيعي الشخصية والافتراق عن السلوك الشخصي الخاص بالممثل.
وكان من الصعب على فنان عادي تقديمها ، وظهر ذلك جليا في أداء الفنان خالد شباط، وهو فنان شاب صعد نجمه سريعاً في الأعمال التي سبقت مسلسل الخائن، ويمكن ملاحظة نجاحه بل وتفوقه في إحداث النقلات الدرامية التي تحتاجها طبيعة الشخصية، فهو متمرد (سيكوباتي) في الشوط الأول من الأداء، ثم هو متزن يواجه المستجدات على الحياة بلغة العقل، ثم هو عاشق أخذه (القدر) إلى أماكن جديدة وظروف أفضل، ثم هو صانع جديد لحاضر يفترض أنه الأفضل.
أي أن خالد شباط خاض التجربة من دون أن يسطح الشخصية، ومن دون أن يؤديها برتابة، بل قدمها في مسار تصاعدي متغير، أحدث التغييرات في تعابيره المناسبة لكل حالة، مع ثبات في حركاته التي أوحت بأنه هو نفسه في المرحلة الأولى، أي أنه نجا من التصنع، وهذا مرتكز مهم في تتبع التحولات الخارجية التي طرأت على حياة الشخصية .
وخالد شباط ، فنان يستحق الوقوف طويلا عند أدائه الذي كان لافتا في الأعمال السابقة، ويتوجها في (الخائن) بطريقة فذة .
أما الفنانة مرام علي، التي قدم لها (الإنتاج) كل ما تحتاجه الشخصية كابنة مدللة جميلة وعاشقة ومعشوقة، وهذا طبيعي في مثل هذه الأعمال، إلا أن ظروف الشخصية القهرية والأنثوية (الغيرة) لاتحتاج إلى الإمكانات الانتاجية فقط، وإنما تحتاج إلى مقدرة على الأداء والذهاب أحيانا إلى ملامح الشخصية الهستيرية التي يضيق الخناق عليها، وتكاد تصاب بالعجز، فتعود إلى المجابهة لكي تنتصر.
بمعنى آخر، كان دورا صعبا ذاك الدور الذي غير من شخصية (تيا) في لعبة العشق والغرام والدلال، وجعلها أمام شحنات تعبيرية في الوجه والجسد والصوت جعلها أمام اختبار نجحت فيه حتى وإن وقعت في الغرور.
وهذا ينطبق على الفنان الفتى قيس صبح في شخصية (يزن) ، لأن يزن في عرف الشخصيات، هو ابن فاجأته الحياة بظروف أكبر منه، وكان عليه أن يتعامل معها بصبر وتمرد أحيانا وبطفولة أحيانا أخرى، أي أن الشخصية مرت بأكثر من ظرف يحتاج إلى تعابير داخلية، وليس سهلا على مستجد في التمثيل أن يؤديها على هذا النحو المميز، الذي جعل الشخصية في دوامة الصراع الدرامي منفعلة ثم فاعلة وقدم المشهدية المطلوبة منه بخبرة في التعبير تفوق أحيانا الممثلين الآخرين .
هل هذا التصور في أداء الممثل، يجرد النقد من حقه في السؤال : أين العمل الدرامي الذي تحتاجه الشاشة؟
أبدا ، سيبقى هذا السؤال ماثلاً، فنحن بحاجة إلى دراما ناجحة بكل معاني النجاح، لكنها في الوقت نفسه، تقدم الرسالة التي ينبغي أن تفكر بها صناعة الدراما هذه الأيام .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة