فن و ثقافة

مسلسل بروكار، الجزء الثاني: قولبة فجة، ومبالغات تدعو للسخرية !

 

 

ترك الجزء الأول من مسلسل (بروكار) الذي عرض في الموسم الرمضاني قبل عامين انطباعاً بأنه محاولة للخروج من نمطية دراما البيئة الشامية، وذلك عبر بعض المعطيات الهامة، من بينها لفت النظر إلى صناعة البروكار الوطنية التي سرقها المستعمر الفرنسي، وطرح نماذج منها تحت اسم جاكار. إضافة إلى البناء على قضية مقاومة الاستعمار وفضح عملائه من خلال قصة حب بين شاب وفتاة متنورين لعب دوريهما الفنان القدير يزن الخليل والفنانة زينة بارافي.

كتب المسلسل الأستاذ سمير هزيم الذي توفي قبل عرض الجزء الثاني، وأخرجه محمد زهير رجب.، وثمة حشد كبير من الفنانين تبنوا تقديم تلك الشخصيات التي تمضي بها أحداث حارة البروكار في ظروف حساسة من حياة سورية .

أي أننا تلقائياً أمام معيارين للحديث عن هذا المسلسل أحدهما هو البيئة الشامية كما تقدمها الدراما، والآخر هو المرحلة التاريخية التي تجري فيها الأحداث. ومن هنا كان لابد أن نتابع الجزء الثاني لنتعرف عما إذا كان هناك تطور أو قفزة ما في إنتاج بعض أعمال بيئة شامية، سبق ولاقت الكثير من النقد، فما الذي حصل ؟!

تعرفت على كاتب النص الأستاذ سمير رحمه الله من خلال حوار تلفزيوني، ويومها قال رحمه الله لمذيعة برنامج كلام الورق إنه يريد أن يخرج من النمطية وأنه ربح في محاولته، وأنا أتابع المخرج رجب منذ زمن طويل، لكن ماعرض هذا العام جعل هذا العمل يمسكنا من اليد التي توجعنا ، فهل هذا هو فعلا النص الذي نطمح إليه ، وهل خرج عن النمطية،  وهل برزت الشام كما ينبغي أن تقدم في الدراما، بصورة تشبهها بنسبة 10% على الأٌقل، لكي نثني على المحاولة، طالما أن مفتاح الحديث عنها هو الصناعة والوطنية  والمقاومة والشخصية الشامية؟!

منذ الحلقات الأولى ، كان سهلا على أي ناقد اكتشاف مجموعة سلبيات جعلت العمل يتراجع عن السوية التي نطمح إليها، بعد كشاهدة الجزء الأول، ومن هذه السلبيات :

  • قولبة الواقع والأفكار.
  • المبالغة في الأحداث.
  • هزلية الشخصيات حتى الوطنية والمتنورة وعجزها عن إقناع المشاهد.
  • الاستخفاف بعقل المشاهد.
  • ضعف في بنية السيناريو.

وكما في أعمال سابقة لترقيع الأعمال التي يجري إنتاجها عن حياة الشام، تم إقحام السينما في الحارة وبعض الإشارات إلى تمدن المدينة وتحضر الحضارة، وهذه المرة تم إقحام بائع الجرائد ، وتم وضع بسطة كتب في الشارع ، وصارت البطلة تذهب بصحبة المقاوم إلى المكتبة الظاهرية، وسمعنا عن نازك العابد وعن ذهاب فارس الخوري إلى صالون أليس قندلفت، وارتفع صوت البنت في الحارة ، وانتشر العشاق في زواريبها..

وفي الحلقة 16 من المسلسل، نحن أمام تكثيف كامل لهذه الملاحظات لكون مجموعة الأحداث التي شاهدناها تتناقض مع أي تصور لصراع درامي يعالج قضية هامة في حياة شعب، فإذا كانت الحلقة قد بنيت على كابوس، فإن الكابوس كان يمكن أن يكون حلاً درامياً مقنعاً ، لو أنه استمر لدقيقة أو دقيقتين، رغم مافيه من خلل ، أما أن تمتد الصورة لتعرض لنا آلية شنق كل واحد من المقاومين بتفصيل ممل لايضيف على التفصيل الذي سبقه ( امتد ذلك من الدقيقة 20 إلى الدقيقة 49) ، ثم نكتشف أن ذلك يحصل في كابوس، وبدل شنق المقاومين حوكموا وخرجوا براءة (!!) لأن القاضي أراد أن يصون مبادئ الثورة الفرنسية المتعلقة بحق المقاومة .

ليس هذا فحسب، بل عوملت الشخصيات بمجملها عبر كل حلقات النص بأداء مفتعل مبالغ فيه جعل الممثلين الذين نحترم أداءهم في كل ماقدموه من أعمال سابقة وكأنهم يؤدون مفارقات على نافذة الكركوزاتي ، فظهرت عملية الترقيع جلية، ولم تظهر المعطيات التي تحملها النوايا الحسنة في لبوس درامي مقنع، بل ظهرت الدراما مفتعلة عاجزة عن إيصال الفكرة بشكل غير مباشر.

وزعتْ لكل شخصية ملامح تكوين في الحركة أو النطق (ثيمات) أو ألصقت فيها لازمة تكررت حتى فقدت معناها ولم تعد تؤدي الدور، بل غدت ثقيلة الظل على الأذن والعين والنص والشخصية :

  • Pourquoiــ لماذا.
  • حركات المغني بالشريطة الحمراء ولازمة الغناء المملة .
  • حركة فم الضابط.
  • اسمعوا وعوا .
  • الحردبة .
  • حوارات المقهى ومهاتراته السخيفة وخاصة التي يصاحبها مواجهات تنتهي دون مواجهة!
  • عدم نضج في الفهم السياسي للقوى السياسية في ذلك الوقت ( الكتلة الوطنية).

وتلقائيا تحول النص عن مقاصده، وكأنه يقدم مساحة مجانية ليستكمل حلقاته الثلاثين المفتعلة أحداثها، ففشل

كذلك كًتب حوار لكل شخصية لا يرتقي أبداً إلى مستوى التعبير عن صراع درامي تمضي به الأحداث إلى سيرورة محددة، فهو لا يؤسس لفكرة منطقية ولا لحدث متكامل، صار الحوار نقلات غير مبررة أحيانا لتصوير مشاهد إضافية. بل إننا لم نشعر إلاّ في حالات قليلة بواقعيتها أو حتى بشرعية كتابتها.

لنراجع كيفية مخاطبة ضباط الاحتلال للناس ومخاطبة الناس لهم، لنلاحظ هزلية الشخصيات المتعاونة مع الفرنسيين (كركترات تصلح لأفلام الرسوم المتحركة)، لندقق في الشخصيتين اللتين نجح الممثلان (وائل زيدان ومعن عبد الحق) في تأديتها، هاتان الشخصيان حملتا أكثر مما يمكن أن تحملهما في سياق الأحداث .

لندقق في وحدة المشهد الواحد في الحلقة، فكثير من المقدمات لاتبرر النتائج التي يكشفها  (الكلاوي يقوم بنجدة الثوار الهاربين ثم يرمي سلاحه دون مبرر)، وفي حلقة أخرى (ملثم يتسلل إلى المستشفى لقتل الطبيب المقاوم ، فيلاحقه الهمشري ، وعندما يعود ينتهي المشهد وكأن ثمة قطة كادت تكسر القطرميز) ، وفي حلقة تالية (سرقة الخرطوش وبيعه للفرنساوي ومفاصلة على السعر وكأننا أمام محتل ساذج).

كل هذه التفاصيل، وتفاصيل أخرى تحتاج إلى مساحة واسعة من الحديث عن الخلل الدرامي في المسلسل جعلتني أعود إلى ملاحظات سابقة عن دراما البيئة الشامية التي تتوالد دون دراية بأثرها على منطق علاقة الفن بالمجتمع ، وهذه الملاحظات تتكثف بجهل الكاتب لمفهوم البيئة الاجتماعية بما هي مكان وبنية ثقافية وتقاليد وسمات وتاريخ ، رغم نواياه الطيبة التي ظن من خلالها أنه سيكون وفياً لهذه البيئة التي لا يمكن أبدا التهاون في أي عملية تشويه لها لأنها تمثل وجهاً حاسما من تاريخ المدن العربية..

إن هذه الملاحظات أضفت البناء الدرامي، وجعلته عاجزا عن تشكيل نفسه بنفسه عبر أحداثه وشخصياته، وأضر هذا بكل محاولات الممثلين (النجوم) لإنقاذه ، وبكل مساعي المخرج ( صاحب الخبرة الطويلة) لإعطائه فرصة النجاة !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى