كتاب الموقعنوافذ

مفردات ومفاتيح

مفردات ومفاتيح… “أيتها الأيام… اغفري لنا إننا عابرون”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في حيلة ما لترويض الأسف الآتي من منظر الأشياء، وهي تبدو ككتابة نصفها غير واضح، على حائط بيت، لم يجعله الهجران، بعد، كأنه أطلال زمن، وبقايا إقامات طويلة في المكان…

في حيلة ما…

سأدلك، أيها الصديق، على طريقة أجرّبها الآن.

أن تمسك قلماً وورقة وتحصي ما تبقّى، وأن تدون ما ترى، وأن تصوّر زوايا نبتت فيها مجموعة من زهور الشوك الزرقاء الجميلة التي ينبغي أن تلمسها، قليلاً، ورويداً، حتى وإن سالت من اصبعك الصغير، الذي يلامس النعومات في الحياة…حتى لو سالت قطرة دم.

انظر إلى هذه الجملة على الحائط الأيمن، الجملة التي صمدت على الغبار، لأنها يجب أن تصمد لتقول لك، حين تدخل…ها أنت، لا سواك مرة أخرى:

الجملة ناقصة بعض الأحرف.

رمّمها.

“من المهم أن يكون للمرء صديق حتى وإن كان سيموت.
أنا سعيد جداً لأن لي صديق… ثعلب”.

تذكرت خمس سنوات مضت على كتابة هذه الجملة على حائط بيتي الصغير ـ الأمير، في قرية “عين البوم”.

كانت الحرب قد استعرت في سورية… وكنت كمن يؤرخ لجحيمها في جملة مجاورة أخرى (نقصت بمرور الوقت والشتاءات أحرفها):

” ألم أنذركم… أن الرمال الخشنة ستسدّ مجرى الوقت؟”

قليلاً… بحذر أدوس على غبار البيت، أتقدم إلى طاولة فأجد عليها آثار صديق مضى: حامل لوحات خشبي صغير، وعليه لوحة تفتح روح الحياة بجلال أفراحها، للفنان الراحل “ماريو موصللي”.

قلبتها لأجد خطّه في الإهداء ممحواً، وقد أطلّت بضع كلمات:”مد يدك ياعادل إلي”.

لكن محمود درويش على الحائط…تقدمت إليه.

نظرت إلى ذلك التاريخ الباقي بحبره الأحمر على الحائط 9/8/2008 والكتابة هي:

” بحياء أحيا… كما لو كنت ضيفاً على غجري يتأهب للرحيل”.

إذا كنت لم تر، بعد، بآثار فئران الحقول، وقد زخرفت بأرجلها، مكان جلوسك على المقعد المغطى بانهيارات ألوان السقوف… المقعد المكسور نصّه الأيسر…

وإذا كنت لا تريد الوقوع في أسر الأفكار المبثوثة في المكان… فما عليك سوى أن ترى هذا الوعد على الجهة اليسرى من الضوء على الشباك:

” أنا في انتظارك، سأغني بحنجرتك… أيتها المغنية الصغيرة، التي ذهبت وراء صوتها في الفيافي لكي تسقي السراب”.

الآن… أنصحك بالخروج من الحيطان، الذهاب إلى الأفق.انظر بعيداً. قطعوا أشجار الغابة الصالحة للفحم: الأرجيلة في أزمنة الحرب تصبح المنتج الحصري للهباء. الأرجيلة وحش الأغصان، قاتلة السنديان. ولكن ما يزال لديك، في هذه الغابة صوت خفيف في المساء، صوت حيوانات الليل التي تدلك على آلام جوعها ووحشتها.

بناء طويل قديم.

إذهب فوراً إلى الغابة…

“الشعر بحاجة إلى ريشة من جنح طائر…لوزن الحياة”.

“والدليل الوحيد الملموس على وجود الإنسان، هو… الشعر”.

“سنعود بعد قليل”.

هذه الجملة النبيلة.

هذه الأيقونة الجميلة.

هذا الوعد… يعني أن تغلق ما تبقّى من الباب وراءك، وتمضي، لتعود، بعد قليل.

أَوَ تدري ما هو هذا القليل

إنه… عمر.

إنه… ذلك الكتف المستدير الذي يحمل كيساً وعصا الشحاذين، في البلاد الغريبة، ثم لا بد أن تعود لتفتح الباب… ما تبقّى من الباب، وتدهشك الجملة الأولى على الحائط:

“الرجل الحقيقي له ملكة واحدة… وليس ألف أميرة”.

ادخل…يا صديقي

ادخل إلى أضلاعك.

إلى مخزن صوابك

إلى هذا البيت المهجور

ادخل وافتح الماء على الزمن.

فسواك سوف يفتح النار على الأشياء.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى