من ذاكرة الشعر العربي الحديث : عشرون ألف دولار لشيء يخص الروح !
خاص :
من ذاكرة الشعر العربي الحديث : عشرون ألف دولار لشيء يخص الروح ! عام 1998، مُنح الشاعر السوري شوقي بغدادي جائزة البابطين على ديوانه الشعري : ” شيء يخص الروح” ، وهو ديوان يحمل حساسية إنسان دخل مرحلة السبعينيات من عمره وهو في روحية عالية وشفافية يحسد عليها، وهو الذي قال : لا شيء يؤرق هذا العالم الشعري مثل إحساسي بفقدان العدالة وغياب الحرية وتلوث الجمال.
عندما نال الأستاذ شوقي تلك الجائزة ، اهتز الوسط الشعري السوري، فالشاعر السوري قوي، قادر على انتزاع موقعه بين زحمة الشعر العربي المتصاعدة ، واليوم من المهم استعادة التفاصيل المتعلقة بتلك الخطوة، أو ذلك الانجاز .
يقول في قصيدته التي حمل الديوان عنوانها :
“أقبل الليل
وكان الباب مفتوحا
فأفسحتُ مكانا للتي تأتي ولا تأتي
فتقضي ساعة عندي وتمضي في أمان”
هي محاكاة ، جميلة ورائعة لأحاسيس راقية تخص الروح فعلا .
وديوان ” شيء يخص الروح” صدر عن اتحاد الكتاب العرب في سورية، عام 1986، وقد أثار في مجموع قصائده التي جمعتها دفتي الديون هواجس نادرا مايقدم عليها الشعراء، وغالبا ما تثير انتباه القراء ، وخاصة إذا كان الشاعر من نوعية ومكانة شوقي بغدادي . لنقرأ في الديوان أيضا :
“كيف أجاري فتحة القميص
والذراعين
وكركرات الجرس الفضي
إذ تطلقها مثل الرذاذ بغتة
فيشهق اللحم من المفاجأة
كيف أجاريها إذا انفعلت
واحتدمت وهي هادئة ”
تبلغ قيمة الجائزة التي قبضها الشاعر شوقي بغدادي عام 1998 عشرين ألف دولار، وكما تسرب للأستاذ شوقي، فقد كانت القصيدة التي حمل الديوان اسمها المفتاح الذي أجمعت عليه لجنة التحكيم في منح الجائزة . ومنح الجائزة بهذه القوة لنص شعري لايتجاوز مردوده على الشاعر في ذلك الوقت مئتي دولار ، يعطي انطباعا غريبا بأن الجوائز التي تمنح عادة للكتاب والشعراء قادرة على إعادة الثقة في الشعر والرواية والقصة في الوقت نفسه التي أنجزت فيه تقديرها لنجاح الكاتب وسعت إلى ترويجه .
وبالأصل يمتلك الشاعر السوري شوقي بغدادي في تجربته الطويلة والفذة في الكتابة رؤية خاصة جعلته متمردا في أغلب الأحيان ، وهادئا مسالماً في أحيان أخرى، لأن رؤيته تقوم على مبدأ يقول :
“لا يمكن أن تتعامل شعريا مع أقانيم العدالة والحرية والجمال بمعزل عن تأثيرها البالغ بالآخرين سلبا أو ايجابا”
يقول شوقي بغدادي عن مجموعته الشعرية تلك :
” لعل أهم ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو ان مجموعتي الأخيرة قد حلت أفضل من غيرها مسألة التنازع الخالد في أعماق كل مبدع فنان, بين (الذات) و(الموضوع) ..”
ومما جاء فيها :
“آه لو كنت أنا حقا أنا
لو خيروني
لو سوى لهجة صوتي
أو سوى لون عيوني
لو سوى الشعر
وغير الثغر
لو غير غصوني
لو سوى الاسم الذي أعطيت
والحزن الذي أهديت
لو بعض شذوذي واندفاعي وجنوني”
ويقول أيضا :
“أقبل الليل
فغادرت وأغلقت ورائي
سوف أختار أنا
في هذه المرة زواري
فيا زائرة الليل ارجعي
إنني أبحث عن شيء يخص الروح
في هذا المساء”
الكاتب والشاعر السوري شوقي بغدادي ، يطرق أبواب المائة سنة من حياته (أطال الله عمره، واثقا بتجربته الأدبية والشعرية، ومن حق القارئ عليه أن يعرف جيدا آخر مايكتبه هذا الشاعر الفذ على صعيد شعره الذي يشتعل بالمفاجآت !